ولما قال تعالى : { وترى الملائكة حافين من حول العرش } ذكر عقيبه ثواب الملائكة فقال كما أن دار ثواب المتقين المؤمنين هي الجنة ، فكذلك دار ثواب الملائكة جوانب العرش وأطرافه ، فلهذا قال : { وترى الملائكة حافين من حول العرش } أي محفين بالعرش . قال الليث : يقال حف القوم بسيدهم يحفون حفا إذا طافوا به .
إذا عرفت هذا ، فنقول بين تعالى أن دار ثوابهم هو جوانب العرش وأطرافه ثم قال : { يسبحون بحمد ربهم } وهذا مشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التحميد والتسبيح ، وحينئذ رجع حاصل الكلام إلى أن أعظم درجات الثواب استغراق قلوب العباد في درجات التنزيه ومنازل التقديس .
ثم قال : { وقضى بينهم بالحق } والمعنى أنهم على درجات مختلفة ومراتب متفاوتة ، فلكل واحد منهم في درجات المعرفة والطاعة حد محدود لا يتجاوزه ولا يتعداه ، وهو المراد من قوله { وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } أي الملائكة لما قضي بينهم بالحق قالوا { الحمد لله رب العالمين } على قضائه بيننا بالحق ، وهاهنا دقيقة أعلى مما سبق وهي أنه سبحانه لما قضى بينهم بالحق ، فهم ما حمدوه لأجل ذلك القضاء ، بل حمدوه بصفته الواجبة وهي كونه ربا للعالمين ، فإن من حمد المنعم لأجل أن إنعامه وصل إليه فهو في الحقيقة ما حمد المنعم وإنما حمد الإنعام ، وأما من حمد المنعم لا لأنه وصل إليه النعمة فهاهنا قد وصل إلى لجة بحر التوحيد ، هذا إذا قلنا إن قوله { وترى الملائكة حافين من حول العرش } شرح أحوال الملائكة في الثواب ، أما إذا قلنا إنه من بقية شرح ثواب المؤمنين ، فتقريره أن يقال إن المتقين لما قالوا { الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } فقد ظهر منهم أنهم في الجنة اشتغلوا بحمد الله وبذكره بالمدح والثناء ، فبين تعالى أنه كما أن حرفة المتقين في الجنة الاشتغال بهذا التحميد والتمجيد ، فكذلك حرفة الملائكة الذين هم حافون حول العرش الاشتغال بالتحميد والتسبيح ، ثم إن جوانب العرش ملاصقة لجوانب الجنة ، وحينئذ يظهر منه أن المؤمنين المتقين وأن الملائكة المقربين يصيرون متوافقين على الاستغراق في تحميد الله وتسبيحه ، فكان ذلك سببا لمزيد التذاذهم بذلك التسبيح والتحميد .
ثم قال : { وقضى بينهم بالحق } أي بين البشر ، ثم قال : { وقيل الحمد لله رب العالمين } والمعنى أنهم يقدمون التسبيح ، والمراد منه تنزيه الله عن كل ما لا يليق بالإلهية .
وأما قوله تعالى : { وقيل الحمد لله رب العالمين } فالمراد وصفه بصفات الإلهية ، فالتسبيح عبارة عن الاعتراف بتنزيهه عن كل ما لا يليق به وهو صفات الجلال ، وقوله { وقيل الحمد لله رب العالمين } عبارة عن الإقرار بكونه موصوفا بصفات الإلهية وهي صفات الإكرام ، ومجموعهما هو المذكور في قوله { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } وهو الذي كانت الملائكة يذكرونه قبل خلق العالم وهو قولهم { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وفي قوله { وقيل الحمد لله رب العالمين } دقيقة أخرى وهي أنه لم يبين أن ذلك القائل من هو ، والمقصود من هذا الإبهام التنبيه ، على أن خاتمة كلام العقلاء في الثناء على حضرة الجلال والكبرياء ليس إلا أن يقولوا { الحمد لله رب العالمين } وتأكد هذا بقوله تعالى في صفة أهل الجنة { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } .
قال المصنف رحمه الله تعالى : ثم تفسير هذه السورة في ليلة الثلاثاء آخر ذي القعدة من سنة ثلاث وستمائة يقول مصنف هذا الكتاب الملائكة المقربون عجزوا عن إحصاء ثنائك ، فمن أنا ، والأنبياء المرسلون اعترفوا بالعجز والقصور ، فمن أنا ، وليس معي إلا أن أقول أنت أنت وأنا أنا ، فمنك الرحمة والفضل والجود والإحسان ، ومني العجز والذلة والخيبة والخسران ، يا رحمن يا ديان يا حنان يا منان أفض على سجال الرحمة والغفران برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وسلم تسليما كثيرا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.