تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

29

المفردات :

يوسف : هو يوسف بن يعقوب عليه السلام .

هلك : مات .

من هو مسرف مرتاب : مشرك مستكثر من المعاصي ، شاك في وحدانية الله .

التفسير :

34- { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب } .

كان بين رسالة يوسف ورسالة موسى أكثر من أربعة قرون ، وكان يوسف على خزائن أرض مصر ، وأعطاه الله الرسالة والدعوة إلى توحيد الله ، ولقي من قبط مصر ما لقيه الرُّسل من الشك والارتياب ، وكان الله قد أعطى يوسف تفسير الرؤيا ، وغير ذلك من المعجزات ، والبيانات المؤيدة لرسالته ، وقد قابله أهل مصر بالكنود مع شيء من المجاملة لتمتعه بالوزارة ، حتى إذا مات داعيا الله قائلا : { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين } . ( يوسف : 101 ) .

وهنا يذكّر الرجُل المؤمن معاصريه بأن أجدادكم قابلوا رسالة يوسف بالشك والارتياب ، حتى إذا مات يوسف قال الأجداد : لن يبعث الله من بعده رسولا إلينا ، وقد استرحنا منهم ، وهذا لون من الإسراف . في العصيان والتمرد على التوحيد ، والارتياب في صدق الرُّسل .

{ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب } .

أي : مثل ذلك الإضلال الشديد يضلّ الله به من أسرف في تقليد الآباء ، وتشكك في هدي السماء ، ولم يفتح قلبه لوحي الله ، وللدعوة إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

ولقد جاء يوسفُ من قبل بالأدلَّة الواضحة ، فما زلتم في شكٍ مما أتاكم به ، حتى إذا مات قلتم لن يرسلَ الله من بعدِ يوسفَ رسولا { كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

ولما كان حاصل ما مضى من حالهم في أمر موسى عليه السلام أنه جاءهم بالبينات فشكوا فيها ، وختم بتحذيرهم من عذاب الدنيا والآخرة ، عطف عليه شك آبائهم في مثل ذلك ، فقال مبيناً أنهم مستحقون لما حذر منه العذاب ليشكروا نعمة الله في إمهاله إياهم ويحذروا نقمته إن تمادوا وأكد لأجل إنكارهم أن يكونوا أتو ببينة ، وافتتح بحرف التوقع لأن حالهم اقتضت توقع ذلك ودعت إليه : { ولقد جاءكم } أي جاء آباءكم يا معشر القبط ، ولكنه عبر بذلك دلالة على أنهم على مذهب الآباء كما جرت به العادة من التقليد ، ومن أنهم على طبائعهم لا سيما إن كانوا لم يفارقوا مساكنهم : { يوسف } أي نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .

ولما لم يكن مجيئه مستغرقاً لما تقدم موسى عليه السلام من الزمان أدخل الجار فقال : { من قبل } أي قبل زمن موسى عليه السلام : { بالبينات } أي الآيات الظاهرات ولا سيما في أمر يوم التناد { فما زلتم } بكسر الزاي من زال يزال أي ما برحتم أنتم تبعاً لآبائكم { في شك } أي محيط بكم لم تصلوا إلى رتبة الظن { مما جاءكم به } من التوحيد وما يتبعه ، ودل على تمادي شكهم بقوله : { حتى إذا هلك } وكأنه عبر بالهلاك إيهاماً لهم أنه غير معظم له ، وأنه إنما يقول ما يشعر بالتعظيم لأجل محض النصيحة والنظر في العاقبة { قلتم } أي من عند أنفسكم بغير دليل كراهة لما جاء به وتضجرا منه جهلاً بالله تعالى : { لن يبعث الله } أي الذي له صفات الكمال .

ولما كان مرادهم استغراق النفي حتى لا يقع البعث في زمن من الأزمان وإن قل ، أدخل الجار فقال : { من بعده } أي يوسف عليه السلام { رسولا } وهذا ليس إقراراً منهم برسالته ، بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته التكذيب برسالة من بعده ، والحجر على الملك الأعظم في عباده وبلاده والإخبار عنه بما ينافي كماله .

ولما كان كأنه قيل : هذا ضلال عظيم هل ضل أحد مثله ؟ أجيب بقوله : { كذلك } أي مثل هذا الضلال العظيم الشأن { يضل } وأبرز الاسم ولم يضمره لئلا يخص الإضلال بالحيثية الماضية ، وجعله الجلالة تعظيماً للأمر لصلاحية الحال لذلك وكذا ما يأتي بعده { الله } أي بما له من صفات القهر { من هو مسرف } أي متعال في الأمور خارج عن الحدود طالب للارتفاع عن طور البشر .

ولما كان السياق للشك في الرسالة والقول بالظن الذي يلزم منه اتهام القادر سبحانه بالعجز أو مجانبة الحكمة قال : { مرتاب * } أي يشك فيما لا يقبل الشك ويتهم غيره بما لا حظّ للتهمة فيه ، أي ديدنه التذبذب في الأمور الدينية ، فلا يكاد يحقق أمراً من الأمور ، ولا إسراف ولا ارتياب أعظم من حال المشرك فإنه منع الحق أهله وبذله لمن لا يستحقه بوجه ، وهذه الآية دليل على أن القبط طول الدهر على ما نشاهده من أنه لا ثقة بدخولهم في الدين الحق ، ولا ثبات لهم في الأعمال الصالحة .