وصدوكم : ومنعوكم من الوصول إليه .
والهدى : وصدوا عن الهدى ، وهو ما يقدم قربانا لله حين أداء مناسك الحج أو العمرة .
معكوفا : محبوسا عن الوصول إلى الحرم .
محله : المكان الذي يسوغ فيه نحره وهو منى .
تطؤوهم : تدوسوهم بأقدامكم ، والمراد أن تبيدوهم وتهلكوهم .
25- { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله . . . }
هم أهل مكة الذين كفروا بالله وبرسوله ، ومنعوكم من دخول المسجد الحرام معتمرين مسالمين ، ومنعوا الهدي من الإبل والبقرة والغنم أن يتقدم إلى منى ليذبح ، فلما أحضر المسلمون عند الحديبية ذبحوا الهدي في الحديبية ، وكان المسلمون قد ساقوا بين أيديهم سبعين بدنة ، وذبحوا البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة -كما ورد في صحيح مسلم- وتحلل النبي صلى الله عليه وسلم من إحرامه وذبح بدنة .
روى البخاري ، عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين ، فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وحلق رأسه .
{ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم . . . }
كان هناك في مكة ثلاثة رجال وتسع نسوة يخفون إيمانهم خوفا من أهل مكة ، ولو حدث قتال لوطئهم المسلمون ، أي قتلوهم خطأ بدون عمد .
لولا وجود هؤلاء الذين يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم -وهم بين أهل مكة- لسلطانكم عليهم فقتلتموهم ، ولو قاتلتم أهل مكة وانتصرتم عليهم ، لقتل قوم من ضعفاء المؤمنين والمؤمنات ، أنتم لا تعرفونهم حين تقتلونهم ، ثم تتألمون وتحزنون بعد قتلهم ، وتصيبكم معرة ألم ، وربما تجرأ الكفار وقالوا لكم : قتلتم إخوانكم المسلمين بأيديكم ، لهذه الاعتبارات يسر الله أمر الصالح مع أهل مكة .
{ ليدخل الله في رحمته من يشاء . . . }
ليحفظ هؤلاء الضعفاء من المؤمنين بفضله ورحمته ، أو ليدخل في دين الإسلام من أراد الله هدايته قبل فتح مكة .
{ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما . . . }
لو تميز الكفار من المؤمنين المقيمين بين أظهرهم ، لنصرناكم على الكافرين من أهل مكة ، وقهرناهم بالسبى والقتل ، وغير ذلك من ضروب التنكيل الشديد ، والإيلام العظيم .
الهدي : ما يقدَّم قربانا لله في مناسك الحج والعمرة من الأنعام .
محله : المكان الذي يسوغ فيه نحره وهو مِنى .
لو تزيّلوا : لو تفرقوا وتميزوا .
بعد أن بين الله أنه كفّ أيدي المؤمنين عن الكافرين ، وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين ، ذكر هنا أن المكان هو البيتُ الحرام الذي صدّوا المؤمنين عنه ، فيقول : إن أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجِد الحرام ومنعوا الهَدْيَ الذي سُقتموه معكم تقرباً إلى الله من بلوغِ مكانه الذي يُنحر فيه .
ثم وضّح أكثر أن في مكة مؤمنين ومؤمناتٍ لا تعلمونهم ، ولولا كراهةُ أن تصيبوهم فتقتلوهم بغير علم بهم ، فتكونوا قتلتم إخوانكم فيلحقكم من أجل قتلهم { مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أيْ عار وخزي - لسلطانكم عليهم .
ثم أكد ميزة هذا الصلح العظيم بقوله تعالى : { لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي ليفتح الباب أمام الذين يرغبون في دخول دين الله . وبين بوضوح بأنه لو أمكن تميُّز المسلمين من الكفار في مكة لسلّط المؤمنين على الكافرين ولعاقبهم عقاباً أليما .
ولما كان ما مضى من وصفهم على وجه يشمل غيرهم من جميع الكفار ، عينهم مبيناً لسبب كفهم عنهم مع استحقاقهم في ذلك الوقت للبوار والنكال والدمار فقال : { هم } أي أهل مكة ومن-{[60430]} لافهم { الذين كفروا } أي أوغلوا في هذا الوصف بجميع بواطنهم وتمام ظواهرهم { وصدوكم } زيادة على كفرهم في عمرة الحديبية هذه { عن المسجد الحرام } أي مكة ، ونفس المسجد الحرام ، والكعبة ، للإخلال بما أنتم فيه من شعائر الإحرام بالعمرة -{[60431]}{ والهدي } أي وصدوا ما أهديتموه إلى مكة المشرفة لتذبحوه بها وتفرقوه على الفقراء ، ومنه أربعون ، وفي رواية : سبعون بدنة ، كان أهداها النبي صلى الله عليه وسلم { معكوفاً } أي حال كونه مجموعاً محبوساً مع رعيكم له وإصلاحه {[60432]}لما أهدى{[60433]} لأجله { أن يبلغ محله } أي الموضع الذي هو أولى المواضع لنحره ، وهو الذي إذا أطلق انصرف الذهن إليه ، وهو في العمرة المروة ، ويجوز الذبح في الحج والعمرة في أي موضع كان من الحرم ، فالموضع الذي نحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة عند الإحصار ليس محله المطلق .
ولما كان التقدير : فلولا ما أشار إليه من ربط المسببات بأسبابها لسلطكم عليهم فغلبتموهم على المسجد وأتممتم عمرتكم على ما أردتم ، ثم عطف عليه-{[60434]} أمراً أخص{[60435]} منه فقال : { ولولا رجال } أي مقيمون بين أظهر الكفار بمكة { مؤمنون } أي عريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلاً للوصف بالرجولية { ونساء مؤمنات } أي-{[60436]} كذلك{[60437]} حبس الكل عن الهجرة العذر لأن الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة ، على أن ذلك شامل لمن جبله الله على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت مشركاً { لم تعلموهم } أي لم{[60438]} يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين {[60439]}لأنهم ليس{[60440]} لهم قوة التمييز زمنهم بأنفسهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب ، ثم أبدل من " الرجال والنساء " قوله : { أن تطؤهم } أي تؤذوهم بالقتل{[60441]} أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحوه من الوطء الذي هو الإيقاع بالحرب منه قوله صلى الله عليه وسلم
" آخر وطأة وطئها الله بوج " يكون ذلك الأذى منكم لهم على ظن-{[60442]} أنهم مشركون أذى الدائس لمدوس وتضغطوهم{[60443]} وتأخذوهم أخذاً شديداً بقهر وغلبة تصيرون به لا تردون{[60444]} يد لامس ولا تقدرون على مدافعة { فتصيبكم } أي فيتسبب عن هذا الوطء أن يصيبكم { منهم } أي من جهتهم وبسببهم { معرة } أي مكروه وأذى هو كالحرب في انتشاره وأذاه ، وإثم وخيانة بقتال دون إذن خاص ، وبعدم الإمعان في البحث ، وغرم وكفارة ودية وتأسف وتعيير ممن لا علم له ، ثم علق بالوطء المسبب عنه إصابة المعرة إتماماً للمعنى قوله : { بغير علم } أي بأنهم{[60445]} من المؤمنين .
ولما دل السياق على أن جواب " لولا " {[60446]} محذوف تقديره : لسلطكم عليهم وما كف أيديكم عنهم ، ولكنه علم ذلك ، وعلم أنه سيؤمن ناس من المشركين فمن عليكم بأن رفع حرج إصابتهم بغير علم عنكم ، وسبب لكم أسباب الفتح الذي كان يتوقع بسبب تسليطكم{[60447]} عليهم بأمر سهل ، وكف أيديكم ولم يسلطكم عليه { ليدخل الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { في رحمته } أي إكرامه وإنعامه { من يشاء } من المشركين بأن يعطفهم إلى الإسلام ، ومن المؤمنين بأن يستنقذهم منهم على أرفق وجه ، ولما كان ذلك{[60448]} ، أنتج قوله تعالى : { لو تزيلوا } أي تفرقوا فزال أحد الفريقين عن الآخر زوالاً{[60449]} عظيماً بحيث لا يختلط صنف بغيره فيؤمن وطء المؤمنين له بغير علم { لعذبنا } أي بأيديكم بتسليطنا أبو بمجرد أيدنا من غير واسطة { الذين كفروا } أي أوقعوا ستر الإيمان .
ولما كان هذا عاماً لجميع من اتصف بالكفر من أهل الأرض ، صرح بما دل عليه السياق فقال : { منهم } أي الفريقين وهم الصادون { عذاباً أليماً * } أي شديد الإيجاع بأيديكم أو من عندنا لنوصلكم إلى قصدكم من الاعتمار والظهر على الكفار ، ففيه اعتذار{[60450]} وتدريب على تأدب بعضهم مع بعض ، وفي الإشارة إلى بيان سر من أسرار منع الله تعالى لهم من التسليط{[60451]} عليهم حث للعبد{[60452]} على أن لا يتهم{[60453]} الله في قضائه فربما عسر عليه أمراً يظهر له أن السعادة كانت فيه وفي باطنه سم قاتل ، فيكون منع الله له منه رحمة في الباطن وإن كان نقمة في الظاهر ، فألزم التسليم مع الاجتهاد في الخير والحرص عليه والندم على{[60454]} فواته وإياك {[60455]}والاعتراض{[60456]} ، وفي الآية أيضاً أن-{[60457]} الله تعالى قد يدفع عن الكافر لأجل المؤمن .