تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

49

المفردات :

أو يزوجهم : أو يجعلهم زوجين ، ذكرا وأنثى .

عقيما : لا تلد ، يقال : عقمت المرأة ، تعقم عقما ، أي : صارت عاقرا .

التفسير :

50- { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير } .

ويتفضل سبحانه على بعض عباده فيعطيهم من الزوجين ، أي من الذكور والإناث ، فقد كان للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ذكور وإناث ، كان له : القاسم ، والطيب ويلقب بالطاهر ، وعبد الله ، وإبراهيم ، وكان له : فاطمة ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وكلهم من أم واحدة هي خديجة ، ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس عظيم القبط بمصر ، ولحكمة عليا يجعل الله بعض الرجال عقيما لا ولد له ، وبعض النساء عقيما لا ولد لها .

قال ابن كثير :

جعل الله تعالى الناس أربعة أقسام : منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه النوعين الذكور والإناث ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لانسل له ولا ولد ، فسبحان العليم القدير .

وقال البيضاوي :

والمعنى : يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة ، فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ، ويعقم آخرين ، والمراد من الآية بيان نفاذ قدرته تعالى في الكائنات كيف يشاء .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

عقيما : لا يولد له .

ويهب لمن يشاء الإناث من الذرية ، ويمنح من يشاء الذكور دون الإناث . ويتفضل سبحانه على من يشاء بالجمع بين الذكور والإناث ، { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } لا ولد له ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } عليم بكل شيء ، قدير على فعل كل ما يريد .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أو يزوجهم}: وإن يشأ نصفهم.

{ذكرانا وإناثا} يعني يولد له مرة بنين وبنات ذكورا وإناثا، فنجعلهم له.

{ويجعل من يشاء عقيما}، لا يولد له. {إنه عليم} بخلقه، {قدير} في أمر الولد والعقم وغيره...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا": يهب لهم إناثا وذكرانا، ويجعل من يشاء عقيما لا يُولدَ له.

"إنّهُ عَلِيم قَدِيرٌ": إن الله ذو علم بما يخلق، وقُدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء أراد خلقه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أو يزوّجُهم ذُكرانا وإناثا} التزويج هو الجمع بين الشكلين والمتماثلين في الحقيقة. وقد يسمّى التزويج بين المتضادّين مجازا، والله أعلم. فيكون معنى قوله: {أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا} أي يقرن، ويجمع بين الإناث والذكور، فيهب له من النوعين جميعا حالة واحدة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما فرغ من أقسام الموهوبين الثلاثة، عطف على الإنعام بالهبة سلب ذلك، فقال موضع أن يقال مثلاً: ولا يهب شيئاً من ذلك لمن يشاء: {ويجعل من يشاء عقيماً} أي لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام -كذا قالوه، والظاهر أنه لا يصح مثالاً فإنه لم يتزوج، قال ابن ميلق: وأصل العقيم اليبس المانع من قابلية التأثر لما من شأنه أن يؤثر، والداء العقام هو الذي لا يقبل البرء- انتهى. فهذا الذي ذكر أصرح في المراد لأجل ذكر العقم، وأدل على القدرة؛ لأنه شامل لمن له قوة الجماع والإنزال لئلا يظن أن عدم الولد لعدم تعاطي أسبابه، وذكروا في هذا القسم عيسى عليه الصلاة والسلام. ولا يصح لأنه ورد أنه يتزوج بعد نزوله ويولد له، وهذه القسمة الرباعية في الأصول كالقسمة الرباعية في الفروع، بعضهم لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه الصلاة والسلام، وبعضهم من ذكر فقط كحواء عليها السلام، وبعضهم من أنثى فقط كعيسى عليه السلام وبعضهم من ذكر وأنثى وهم أغلب الناس، فتمت الدلالة على أنه ما شاء كان ولا راد له وما لم يشأ لم يكن، ولا مكون له ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.

ولما دل هذا الدليل الشهودي على ما بنيت الآية عليه من إثبات الملك له وحده مع ما زادت به من جنس السياق وعذوبة الألفاظ وإحكام الشك وإعجاز الترتيب والنظم، كانت النتيجة قطعاً مؤكدة لتضمن إشراكهم به الطعن في توحده بالملك مقدماً فيها الوصف الذي هو أعظم شروط الملك:

{إنه عليم} أي بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها {قدير} شامل القدرة على تكوين ما يشاء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{إِنَّهُ عَلِيمٌ قدير} جملة في موضع العلة للمبدل منه وهو {يخلق ما يشاء} فموقع (إنّ) هنا موقع فاء التفريع. والمعنى: أن خلقه ما يشاء ليس خلقاً مهملاً عرياً عن الحكمة لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته. وهو {قدير} نافذ القدرة فإذا علم الحكمة في خلق شيء أراده، فجرى على قَدَره. ولمّا جمع بين وصفي العلم والقدرة تعين أن هنالك صفة مطوية وهي الإرادة لأنه إنما تتعلق قدرته بعد تعلق إرادته بالكائن.

وتفصيلُ المعنى: أنه عليم بالأسباب والقُوى والمؤثرات التي وضعها في العوالم، وبتوافق آثار بعضها وتخالف بعض، وكيف تتكون الكائنات على نحو ما قُدِّر لها من الأوضاع، وكيف تتظاهر فتأتي الآثار على نسق واحد، وتتمانع فينقص تأثير بعضها في آثاره بسبب ممانعة مؤثراتٍ أخرى وكل ذلك من مظاهر علمه تعالى في أصل التكوين العالمي ومظاهر قدرته في الجري على وفاق علمه.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يُرقِّى الحق سبحانه عطاءه للعبد، فيقول {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً..} يعني: يزاوج بين النوعين، فيهب لك الذكور ويهب لك الإناث.

{وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} يعني: يحرم هذه الهبة لحكمة أرادها الله.

وحتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يتعالى أحد على أحد يُعلِّمنا ربنا عز وجل أن مسألة الإنجاب هذه أو عدم الإنجاب لا تؤثر على منازل العباد عند الله تعالى، فحين أهَب الذكور أو الإناث أو أزواج بينهما لا يعني هذا رضاي عن عبدي، وحين أحرمه لا يعني هذا سخطي على عبدي، إنما هي سنتي في خَلْقي أنْ أهبَ الذكور وأنْ أهبَ الإناث، وأنْ أجعل مَنْ أشاء عقيماً.

لذلك تجدون هذه السُّنة نافذة حتى في الرسل الذين هم أكرم الخَلْق على الله، فسيدنا لوط وسيدنا شعيب وهبهما اللهُ الإناثَ، وسيدنا إبراهيم وهبه الله الذكور، وسيدنا محمد وهبه الله الذكور والإناث، فكان له عبد الله والقاسم وإبراهيم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.

إذن: لكم في رسول الله أسْوة حسنة. والذين يستقبلون أقدار الله في هذه المسألة بالرضا، ويرتفع عندهم مقام الإيمان والتسليم، ويؤمنون أن هذه هبة من الله حتى العقم يعتبرونه هبة، هؤلاء يُعوِّضهم الله، فحين ترضى مثلاً بالبنات وتُربِّيهن أحسن تربية، وتُحسن إليهنَّ يجعل الله لك من أزواجهن مَنْ يُعوِّضك عن الولد، وربما كانوا أبرَّ بك من الأبناء بآبائهم.

وتختتم الآية بقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} والعليم يهب على قَدْر علمه بالأمور، وبما يصلح عبده وما لا يُصلحه، فهو وحده سبحانه الذي يعلم أن هذا يصلح هنا، وهذا يصلح هنا، ثم هو سبحانه {قَدِيرٌ} له القدرة المطلقة في مسألة الخَلْق، لا يعجزه شيء ولا تقيده الأسباب.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

وقوله { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } أي يجعل ما يهب من الولد بعضه ذكورا وبعضه إناثا { ويجعل من يشاء عقيما } لا يولد له

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

" أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد له أربعة بنين وأربع بنات . " ويجعل من يشاء عقيما " يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام ، لم يذكر عيسى . ابن العربي : قال علماؤنا " يهب لمن يشاء إناثا " يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن . " ويهب لمن يشاء الذكور " يعني إبراهيم ، كان له بنون ولم يكن له بنت . وقول : " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " يعني آدم ، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ذكرا وأنثى . ويزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر ، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم . وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث من الأولاد : القاسم والطيب والطاهر وعبد الله{[13550]} وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة ، وكلهم من خديجة رضي الله عنها ، وإبراهيم وهو من مارية القبطية . وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا ، إلى أن تقوم الساعة ، على هذا التقدير المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة ؛ ليبقى النسل ، ويتمادى الخلق ، وينفذ الوعد ، ويحق الأمر ، وتعمر الدنيا ، وتأخذ الجنة وجهنم كل واحدة ما يملؤها ويبقى . ففي الحديث : ( إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه{[13551]} ، فتقول : قط قط{[13552]} . وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر ) .

الثانية- قال ابن العربي : إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء ، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة ، فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات ، كما قال القدوس السلام ، فخلق آدم من الأرض وخلق حواء من آدم وخلق النشأة من بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا{[13553]} ) . وكذلك في الصحيح أيضا : ( إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله ) .

قلت : وهذا معنى حديث عائشة لا لفظه ، خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ فقال : ( نعم ) فقالت لها عائشة : تربت يداك وألت{[13554]} ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك . إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه ) . قال علماؤنا : فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه ، وقد جاء في حديث ثوبان خرجه مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهودي : ( ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله . . . ) الحديث . فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والأنوثة ، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمام والذكورة إن علا مني الرجل ، وكذلك يلزم إن علا مني المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة ؛ لأنهما معلولا علة واحدة ، وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك ؛ لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين . والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثوبان فيقال : إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ، ووجه أن العلو لما كان معناه الغلبة من قولهم سابقني فلان فسبقته أي غلبته ، ومنه قوله تعالى : " وما نحن بمسبوقين " [ الواقعة : 60 ] أي بمغلوبين ، قيل عليه علا . ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث : ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا ) . وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الأحاديث بناء فقال : إن للماءين أربعة أحوال : الأول : أن يخرج ماء الرجل أولا ، الثاني : أن يخرج ماء المرأة أولا ، الثالث : أن يخرج ماء الرجل أولا ويكون أكثر ، الرابع : أن يخرج ماء المرأة أولا ويكون أكثر . ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولا ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس ، فإذا خرج ماء الرجل أولا وكان أكثر جاء الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة . وإن خرج ماء المرأة أولا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الغلبة . وإن خرج ماء الرجل أولا لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة ، وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة ، كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل . قال : وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث ، فسبحان الخالق العليم .

الثالثة- قال علماؤنا : كانت الخلقة مستمرة ذكرا وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى ، فأتي به فريض العرب ومعمرها{[13555]} عامر بن الظرب فلم يدر ما يقول فيه وأرجأهم عنه ، فلما جن عليه الليل تنكر موضعه ، وأقض عليه مضجعه ، وجعل يتقلب ويتقلب ، وتجيء به الأفكار وتذهب ، إلى أن أنكرت خادمه حاله فقالت : ما بك ؟ قال لها : سهرت لأمر قصدت به فلم أدر ما أقول فيه ؟ فقالت ما هو ؟ قال لها : رجل له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له الأمة : ورثه من حيث يبول ، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم وانقلبوا بها راضين . وجاء الإسلام على ذلك فلم تنزل إلا في عهد علي رضي الله عنه فقضى فيها . وقد روى الفرضيون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال : من حيث يبول . وروي أنه أتي بخنثى من الأنصار فقال : ( ورثوه من أول ما يبول ) . وكذا روى محمد ابن الحنفية عن علي ، ونحوه عن ابن عباس ، وبه قال ابن المسيب وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ، وحكاه المزني عن الشافعي . وقال قوم : لا دلالة في البول ، فإن خرج البول منهما جميعا قال أبو يوسف : يحكم بالأكثر . وأنكره أبو حنيفة وقال : أتكيله ! ولم يجعل أصحاب الشافعي للكثرة حكما . وحكي عن علي والحسن أنهما قالا : تعد أضلاعه ، فإن المرأة تزيد على الرجل بضلع واحد . وقد مضى ما للعلماء في هذا في آية المواريث في " النساء " {[13556]} مجودا والحمد لله .

الرابعة- قال القاضي أبو بكر بن العربي : وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى ؛ لأن الله تعالى قسم الخلق إلى ذكر وأنثى . قلنا : هذا جهل باللغة ، وغباوة عن مقطع الفصاحة ، وقصور عن معرفة سعة القدرة . أما قدرة الله سبحانه فإنه واسع عليم ، وأما ظاهر القرآن فلا ينفي وجود الخنثى ؛ لأن الله تعالى قال : " لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء " . فهذا عموم مدح فلا يجوز تحصيصه ؛ لأن القدرة تقتضيه . وأما قوله : " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما " فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات ، وسكت عن ذكر النادر لدخول تحت عموم الكلام الأول ، والوجود يشهد له والعيان يكذب منكره ، وقد كان يقرأ معنا برباط أبي سعيد على الإمام الشهيد من بلاد المغرب خنثى ليس له لحية وله ثديان وعنده جارية ، فربك أعلم به ، ومع طول الصحبة عقلني الحياء عن سؤاله ، وبودي اليوم لو كاشفته عن حاله .


[13550]:القول الأصح أن الذكور ثلاثة: القاسم وعبد الله (ويسمى بالطيب والطاهر) وإبراهيم. راجع شرح المواهب اللدنية.
[13551]:قال القسطلاني:" أي يذللها تذليل من يوضع تحت الرجل، والعرب تضع الأمثال بالأعضاء ولا تريد أعيانها كقولها للنادم: سقط في يده".
[13552]:قوله:" قط قط" بكسر الطاء وسكونها فيهما، ويجوز التنوين مع الكسر والمعنى: حسبي حسبي قد اكتفيت.
[13553]:روى بالمد وتخفيف النون وبالقصر وتشديد النون.
[13554]:قوله: "تربت يداك". معناه: ما أصبت! وهو في الأصل بمعنى صار في يدك التراب ولا أصبت خيرا أي افتقرت، لكن لا يريدون به الدعاء على المخاطب، كما يقولون: قاتله الله؛ إلى غير ذلك. وقوله "وألت": أي صاحت لما أصابها من شدّة هذا الكلام. وروي بضم الهمزة مع التشديد، أي طعنت بالألة وهي الحربة. قال ابن الأثير:وقيه بعد، لأنه لا يلائم لفظ الحديث.
[13555]:في ابن العربي:" ومعتمدها". ويقال: إنه عاش ثلاثمائة عام.
[13556]:راجع ج 5 ص 65 فما بعدها.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

ولما فرغ من القسمين الأولين عطف عليهما قسيماً لهما ودل على أنه قسم بأو فقال : { أو يزوجهم } أي الأولاء بجعلهم ازواجاً أي صنفين حال كونهم { ذكراناً وإناثاً } مجتمعين في بطن ومنفردين كما منح محمداً صلى الله عليه وسلم ، ورتبهما هنا على الأصل تنبيهاً على أنه ما فعل غير ذلك فيما مضى إلا لنكت جليلة فيجب تطلبها ، وعبر في الذكر بما هو أبلغ في الكثرة ترغيباً في سؤاله ، والخضوع لديه رجاء نواله .

ولما فرغ من أقسام الموهوبين الثلاثة ، عطف على الإنعام بالهبة سلب ذلك ، فقال موضع أن يقال مثلاً : ولا يهب شيئاً من ذلك لمن يشاء : { ويجعل من يشاء عقيماً } أي لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام - كذا قالوه ، والظاهر أنه لا يصح مثالاً فإنه لم يتزوج ، قال ابن ميلق ، وأصل العقيم اليبس المانع من قابلية التأثر لما من شأنه أن يؤثر ، والداء العقام هو الذي لا يقبل البرء - انتهى . فهذا الذي ذكر أصرح في المراد لأجل ذكر العقم ، وأدل على القدرة لأنه شامل لمن له قوة الجماع والإنزال لئلا يظن أن عدم الولد لعدم تعاطي أسبابه ، وذكروا في هذا القسم عيسى عليه الصلاة والسلام . ولا يصح لأنه ورد أنه يتزوج بعد نزوله ويولد له ، وهذه القسمة الرباعية في الأصول كالقسمة الرباعية في الفروع ، بعضهم لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه الصلاة والسلام ، وبعضهم من ذكر فقط كحواء عليها السلام ، وبعضهم من أنثى فقط كعيسى عليه السلام وبعضهم من ذكر وأنثى وهم أغلب الناس ، فتمت الدلالة على أنه ما شاء كان ولا راد له وما لم يشأ لم يكن ، ولا مكون له ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .

ولما دل هذا الدليل الشهودي على ما بنيت الآية عليه من إثبات الملك له وحده مع ما زادت به من جنس السياق وعذوبة الألفاظ وإحكام الشك وإعجاز الترتيب والنظم ، كانت النتيجة قطعاً مؤكدة لتضمن إشراكهم به الطعن في توحده بالملك مقدماً فيها الوصف الذي هو أعظم شروط الملك : { إنه عليم } أي بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها { قدير* } شامل القدرة على تكوين ما يشاء .