وآخرين منهم لما يلحقوا بهم : وآخرين من الأميين لم يلحقوا بهم بعد ، وهم كل من دخل في الإسلام إلى يوم القيامة ، وإذا أسلموا صاروا منهم ( من العرب ) مهما اختلفت أجناسهم ، فالمسلمون كلهم أمة واحدة ، " وكل من تكلم العربية فهو عربي " .
1- { وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
وأرسله الله إلى آخرين من غير العرب ، لمّا يلحقوا بهم في حياته ، وإن لحقوا بهم بعد ذلك ، كالفرس والروم ، وكل من دخل في الإسلام إلى يوم القيامة .
وذلك بفضل الله ، الْعَزِيزُ . الغالب ، الْحَكِيمُ . وهو أعلم حيث يجعل رسالته .
فهذا النبي الأمي أرسله الله إلى العرب ، لينطلق بهذا الدين إلى العالم من حوله .
قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه . . . }( الشورى : 7 ) .
وقال تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون } . ( الزخرف : 44 ) .
وقد بشّر القرآن هذه الأمة بالنصر والفتح ، وورد ذلك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } . ( الصف : 9 ) .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت سورة الجمعة ، فلما قرأ : { وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ . . . }قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا ، قال : وفينا سلمان الفارسي ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ، ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " vii
وتعتبر الآية والحديث من المبشرات بالنصر ، ودخول الأعاجم في دين الإسلام ، وقد انتفع تدوين العلوم والفنون بعلماء الفرس وغيرهم .
وآخرين لمّا يلحقوا بهم : وغيرهم من الناس سيأتون بعدهم .
وبعثه الله تعالى إلى جماعات آخرين من العرب وغيرِهم من جميع العالم
لم يجيئوا بعد ، سيأتون ويحملون مِشعلَ الهداية وينشرون نور الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها . وهذا يعني أن هذه الأمة المباركة موصولةُ الحلقات ممتدة في جميع أطراف الأرض على مدى الزمان ، تحمل هذه الأمانةَ وتُخرج الناس من الظلمات إلى النور . والتاريخُ شاهد على ذلك ، وهذه الآية من دلائل النبوة ، ومن الأدلّة على أن القرآن من عند الله .
قوله تعالى : " وآخرين منهم " هو عطف على " الأميين " أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم . ويجوز أن يكون منصوبا بالعطف على الهاء والميم في " يعلمهم ويزكيهم " ، أي يعلمهم ويعلم آخرين من المؤمنين ؛ لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مسندا إلى أوله فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه . " لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم " أي لم يكونوا في زمانهم وسيجيؤون بعدهم . قال ابن عمر وسعيد بن جبير : هم العجم . وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة " الجمعة " فلما قرأ " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم " قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا . قال وفينا سلمان الفارسي . قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال : ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ) . في رواية ( لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال - من أبناء فارس حتى يتناوله لفظ مسلم . وقال عكرمة : هم التابعون . مجاهد : هم الناس كلهم ، يعني من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم . وقاله ابن زيد ومقاتل بن حيان . قالا : هم من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة . وروى سهل بن سعد الساعدي : أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ( إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب - ثم تلا - " وآخرين منهم لما يلحقوا بهم " . والقول الأول أثبت . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رأيتني أسقي غنما سودا ثم اتبعتها غنما عفرا أولها يا أبا بكر ) فقال : يا رسول الله ، أما السود فالعرب ، وأما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كذا أولها الملك ) يعني جبريل عليه السلام . رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ولما كانت{[65253]} تزكيته لهم مع أميتهم وغباوتهم لوصف الأمية في الجهل أمراً باهراً في دلالته على تمام القدرة ، زاد في الدلالة على ذلك بإلحاق كثير ممن في غيرهم{[65254]} من الأمم مثلهم في الأمية بهم{[65255]} فقال : { وآخرين } أي وبعثه في آخرين { منهم } في الأمية لا في العربية{[65256]} { لما يلحقوا بهم } أي في وقت من الأوقات الماضية في صفة{[65257]} من الصفات ، بل هم أجلف الناس كعوام المجوس واليهود والنصارى والبرابر ونحوهم من طوائف العجم الذين هم ألكن الناس لساناً وأجمدهم{[65258]} أذهاناً وأكثفهم طبعاً وشأناً ، وسيلحقهم الله بهم في العلم والتزكية .
ولما كان عدم إلحاقهم بهم{[65259]} في الماضي ربما أوهم شيئاً في القدرة ، وإلحاقهم بهم في المستقبل في غاية الدلالة على القدرة{[65260]} ، قال : { وهو } أي والحال أنه وحده { العزيز } الذي يقدر على كل شيء ولا يغلبه شيء فهو يزكي من يشاء ويعلمه ما{[65261]} أراد من أيّ طائفة كان ، ولو كان أجمد{[65262]} أهل تلك{[65263]} الطائفة لأن الأشياء كلها بيده { الحكيم * } فهو إذا أراد شيئاً موافقاً لشرعه وأمره جعله{[65264]} على أتقن الوجوه وأوثقها فلا يستطاع نقضه ، ومهما أراده كيف كان فلا بد من إنفاذه فلا يطلق رده بوجه ، ويكون المراد بالآخرين العجم ، وأن الله تعالى سيلحقهم بالعرب ، قال ابن عمر رضي الله عنهما وسعيد بن جبير أيضاً{[65265]} رضي الله عنه وهو رواية ليث عن مجاهد ويؤيده{[65266]} {[65267]}ما :
" روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل عنهم لما نزلت سورة{[65268]} {[65269]}الجمعة فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده{[65270]} على سلمان رضي الله عنه وقال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء{[65271]} " " .
{ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم }
{ وآخرين } عطف على الأميين ، أي الموجودين { منهم } والآتين منهم بعدهم { لما } لم { يلحقوا بهم } في السابقة والفضل { وهو العزيز الحكيم } في ملكه وصنعه وهم التابعون والاقتصار عليهم كاف في بيان فضل الصحابة المبعوث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم على من عداهم ممن بعث إليهم وآمنوا به من جميع الإنس والجن إلى يوم القيامة لأن كل قرن خير ممن يليه .