تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ} (22)

20

المفردات :

عسيتم : قاربتم .

توليتم : توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم ، أن تعودوا إلى أفعال الجاهلية ، من قطع الأرحام ، والإفساد في الأرض ، أو إن توليتم وأعرضتم عن هدى القرآن ، أن تعودوا كفارا تقطعون الرحم وتفسدون في الأرض .

التفسير :

22- { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } .

جدير بكم إذا أعرضتم عن الجهاد ، وعن تنفيذ أوامر الله ، أن تعودوا كما كنتم في الجاهلية ، تفسدون في الأرض بالنهب والغارة ، وتقطعون الرحم التي أمر الله بصلتها ، فالآية تهديد ووعيد للمنافقين ، وبيان لهم بأن ترك الالتزام بأمر الله وتوجيه رسوله من شأنه أن يشيع الفرقة والتنازع بين المنافقين والأمة المسلمة ، فيعود المجتمع في المدينة إلى حالة من الفوضى ، ينتشر فيها القتل وسفك الدماء والفساد في الأرض ، وتقطيع الأرحام بين أفراد الأمة الواحدة ، أو بين القريب والقريب ، حيث يتقاتل المنافقون مع المؤمنين .

وجوز بعض المفسرين أن يكون المعنى في هذه الآية كما يأتي :

فهل عسيتم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم ، أن تفسدوا في الأرض ، وترجعوا إلى التناهب والقتل ، وقطع الأرحام ، ووأد البنات كما كنتم في الجاهلية ، وتخصيص الأرحام بالذكر تأكيد لحقها ، وتحذير للناس من قطع الرحم .

قال تعالى : { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام . . . } ( النساء : 1 ) .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ} (22)

فيه أربع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض " اختلف في معنى " إن توليتم " فقيل : هو من الولاية . قال أبو العالية : المعنى فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجُعِلتم حكاما أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا . وقال الكلبي : أي فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم . وقال ابن جريج : المعنى فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام . وقال كعب : المعنى فهل عسيتم إن توليتم الأمر أن يقتل بعضكم بعضا . وقيل : من الإعراض عن الشيء . قال قتادة : أي فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام ، وتقطعوا أرحامكم . وقيل : " فهل عسيتم " أي فلعلكم إن أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الأرض فتعودوا إلى جاهليتكم . وقرئ بفتح السين وكسرها . وقد مضى في " البقرة " القول فيه مستوفى{[13941]} . وقال بكر المزني : إنها نزلت في الحرورية والخوارج ، وفيه بعد . والأظهر أنه إنما عني بها المنافقون . وقال ابن حيان : قريش . ونحوه قال المسيب بن شريك والفراء ، قالا : نزلت في بني أمية وبني هاشم ، ودليل هذا التأويل ما روى عبد الله بن مغفل قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض - ثم قال - هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم إن ولوا الناس ألا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا أرحامهم ) . وقرأ علي بن أبي طالب " إن توليتم أن تفسدوا في الأرض " بضم التاء والواو وكسر اللام . وهي قراءة ابن أبي إسحاق ، ورواها رويس عن يعقوب . يقول : إن وليتكم ولاة جائرة خرجتم معهم في الفتنة وحاربتموهم .

قوله تعالى : " وتقطعوا أرحامكم " بالبغي والظلم والقتل . وقرأ يعقوب وسلام وعيسى وأبو حاتم " وتقطعوا " بفتح التاء وتخفيف القاف ، من القطع ، اعتبارا بقوله تعالى : " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " {[13942]} [ البقرة : 27 ] . وروى هذه القراءة هارون عن أبى عمرو . وقرأ الحسن " وتقطعوا " مفتوحة الحروف مشددة ، اعتبارا بقوله تعالى : " وتقطعوا أمرهم بينهم " {[13943]} [ الأنبياء : 93 ] . الباقون " وتقطعوا " بضم التاء مشددة الطاء ، من التقطيع على التكثير ، وهو اختيار أبي عبيد . وتقدم ذكر " عسيتم " [ البقرة : 246 ] في ( البقرة ){[13944]} . وقال الزجاج في قراءة نافع : لو جاز هذا لجاز " عيسى " بالكسر . قال الجوهري : ويقال عسيت أن أفعل ذلك ، وعسيت بالكسر . وقرئ " فهل عسيتم " بالكسر .

قلت : ويدل قوله هذا على أنهما لغتان . وقد مضى القول فيه في " البقرة " مستوفى{[13945]} .


[13941]:راجع ج 3 ص 244.
[13942]:آية 27 سورة البقرة.
[13943]:آية 93 سورة الأنبياء.
[13944]:ج 3 ص 244.
[13945]:ج 3 ص 244.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ} (22)

قوله : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية . فقد قيل : المعنى : فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم ؟ أو فهل عسيتم إن توليتم الحكم فكنتم حكاما أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا ؟ وقيل : فهل عسيتم إن توليتم عن الجهاد وأعرضتم عن طاعة ربكم أن تعودوا إلى ما كنتم عليه في جاهليتكم من الإفساد في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام وقتل بعضكم بعضا ؟