{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ( 41 ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( 42 ) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ( 43 ) وخذ بيدك ضغتا فاضرب به ولا تخنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ( 44 ) }
41-{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } .
هذه الآيات مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيها قدوة وأسوة ، حتى يقتدى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأيوب في صبره ، وفي دعائه ربّه ، وتقتدى به الأمة من بعده .
أي : واذكر لنفسك ولأمتك عبدنا أيوب ، كنموذج في الصبر على البلاء ، واحتمال المصائب في النفس والولد ، والأهل والأتباع .
{ إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } .
وقد نسب ما أصابه إلى الشيطان تأدبا مع الله تعالى .
وقال في سورة الأنبياء : { أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } . [ الأنبياء : 83 ] .
أي : أصابني البلاء في صحتي ، وأولادي ، وتفرّق أتباعي ، وكان أيوب في صحة وعافية ، وأبناء أصحاء مجتمعين حوله ، وزوجة مطيعة ، وأتباع مخلصين ، وحاول الشيطان أن يوسوس له بأنه في نعمة عظيمة تغري بالزهور والغرور ، فازداد لله شكرا ، فابتلى الله أيوب بالمرض فشكر ، وابتُلِيِ بفقد الأولاد فصبر ، وابْتُلي بتأخر زوجته عليه في تلبية طلبه ، فأقسم لئن شفاه الله ليضربنّها مائة ضربة ، ومع طول مدة البلاء نجد أيوب صابرا مؤمنا محتسبا ، لكنّه لم يصب بمرض منفر ، لأن الله أرسل الأنبياء ليبلّغوا رسالته للناس ، وحفظهم من الأمراض المعدية والمنفّرة ، ولعله ابتلى بمرض جلدي أو سطحي ، وقد حاول الشيطان الوسوسة له ، ليغريه باليأس والقنوط ، كما وسوس الشيطان لبعض أتباعه بأن أيوب لو كان نبيّا حقّا لما مرض هذا المرض الطويل ، وكان لأيوب تابعون مُخْلِصون ، فقال أحدهم للآخر : لولا أن أيوب أذنب ذنبا عظيما ، لما عاقبه الله بهذه العقوبة . وبلغ هذا الكلام أيوب ، فاشتكى لله تعالى ما به .
{ أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } .
والنُّصْب : المشقة والتعب ، أي : وسوس لي الشيطان في النعماء ، ووسوس في البأساء ، وأنا ألجأ إليك يا ربّ وأتحصن بالرجاء إليك ، والرحمة في فضلك وعفوك وعافيتك ، والشيطان لا ينال من الإنسان إلا ما يقدمه من وسوسة وتزيين .
وقد بين الشيطان أنه سيحاول إغواء عباد الله ، { من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم . . . } [ الأعراف : 17 ] .
وقد بين الحق سبحانه وتعالى أن الشيطان طيفا ووسوسة وفتنة ودعوة ، وحذّر المؤمنين من الاستجابة لهذه الدعوة .
قال تعالى : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا . . . } [ فاطر : 6 ] .
وقال سبحانه : { لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة . . . } [ الأعراف : 27 ] .
وقال عز وجل : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } . [ الأعراف : 201 ] .
وقد ورد أن الشيطان قال لله : إن أيوب يعبدك لأنه سليم البدن ، عنده المال والذرية ، والزوجة والبيوت والأموال ، ولو فقد شيئا من ذلك ما عبدك ، وفقد أيوب صحته فشكر الله وصبر ، وفقد أولاده فسجد لله وشكر وصبر ، وفقد المال والمنزل ، وساءت العلاقة مع الزوجة ، فصبر صبرا جميلا ، ولجأ إلى الله راغبا في رحمته وعفوه ، وفي أن يصرف عنه وسوسة الشيطان وكيده ، وإن كان الشيطان ، لا ينال من عقيدة الأنبياء ، ولا من عباد الله الصالحين بأكثر من الوسوسة والتزيين .
قال تعالى : { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } . [ النحل : 99-100 ] .
أي : { وَاذْكُرْ } في هذا الكتاب ذي الذكر { عَبْدَنَا أَيُّوبَ } بأحسن الذكر ، وأثن عليه بأحسن الثناء ، حين أصابه الضر ، فصبر على ضره ، فلم يشتك لغير ربه ، ولا لجأ إلا إليه .
ف { نَادَى رَبَّهُ } داعيا ، وإليه لا إلى غيره شاكيا ، فقال : رب { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } أي : بأمر مشق متعب معذب ، وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح ، ثم تقيح بعد ذلك واشتد به الأمر ، وكذلك هلك أهله وماله .
قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } :
يذكر الله نبيه الصابر أيوب عليه الصلاة والسلام وما أصابه من عظيم البلاء في الولد والجسد والمال ؛ فقد كان ذا أولاد وعيال وقد أخذهم الله فبقي وحيدا بغير ولد ولا أهل ولا جليس ، وكان ذا مال وثراء فأهلك الله ماله كله . ثم أصابه البلاء في جسده كله فانقلب عليلا سقيما . وقيل : لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه . فنفر منه الناس وتركوه وحيدا باستثناء زوجته المؤمنة الصالحة الرؤوم رضي الله عنها ؛ فإنها لم تفارقه ولم تفرط فيه ، بل كانت تخدم الناس بالأجرة لتتمكن من إطعامه وخدمته . فظل على هذه الحال من السقم والكرب والفقر وهجر الصحب والناس والحيلان جميعا ، مدة سبع سنين . وقيل : ثماني عشرة سنة حتى آل به الأمر إلى إلقائه فوق مزبلة من مزابل بني إسرائيل طيلة هذه المدة وقد رفضه الناس وزهدوا في محادثته أو الدنو منه . حتى إذا طالت الشدة وبلغ الكتاب أجله وجاء أمر الله بالفرج ، دعا أيوب ربه أن يكشف عنه ما حل به من البلاء . والله جلت قدرته خير معين ومجيب . وفي ذلك كله يقول سبحانه : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } النصْب : بضم النون المشددة ، وسكون الصاد . وهو ما يصيب البدن . أما العذاب : فهو ما يصيب المال والولد ؛ فقد دعا أيوب ربه عسى أن يكشف عنه ما أصابه ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.