تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

قبول التوبة

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 24 ) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ( 25 ) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ( 26 ) }

المفردات :

افترى : اختلق .

يختم على قلبك : يربط عليه بالصبر ، وقيل : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك ، لتجترئ بالافتراء عليه ، فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم ، وهذه الجملة أبعد في نفي الافتراء عنه ، لأن من افترى ختم الله على قلبه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم يتفضل الله عليه بالوحي صباح مساء ، وقيل : يطمس عليه وينسيه فلا يعي .

يمحو : يزيل .

ذات الصدور : حقائقها ودخائلها ، فالله سبحانه مطلع على الخفايا ، لا يخفى عليه شيء ، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه .

التفسير :

24- { أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور } .

هنا يناقش الكفار في أقوالهم فقد ادعوا أن محمدا يفتري على الله الكذب ، حيث ينسب القرآن إلى الله مفتريا ، وهنا يجيبهم القرآن بأن محمدا لو افترى على الله الكذب لختم على قلبه ، ومنعه من القدرة على التحدث بالوحي صباح مساء .

وبما أن الوحي مستمر وعناية الله به مستمرة ، فذلك أظهر دليل على أن محمدا صادق غير مفتر .

قال ابن كثير :

وهذا كقوله جل وعلا : { ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين } . ( الحاقة : 44-46 ) .

وقال أبو السعود :

والآية استشهاد على بطلان ما قالوا ، ببيان أنه عليه السلام لو افترى على الله لمنعه من ذلك قطعا بالختم على قلبه ، بحيث لا يخطر بباله معنى من معانيه ، ولم ينطق بحرف من حروفه .

وقيل : معنى : { فإن يشأ الله يختم على قلبك . . . }

أي : يلهمك الصبر والاحتمال واليقين والهدوء .

{ ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته . . . }

ومن سنة الله أن يزيل الباطل فهو يمهل ولا يهمل ، ومن سنة الله أن يثبت الحق ببراهينه وآياته .

قال تعالى : { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق . . . } ( الأنبياء : 18 ) .

{ إنه عليم بذات الصدور } .

إنه سبحانه مطلع على خفايا القلوب ، فهو يعلم السر وأخفى .

وقال القرطبي : والمراد أنك لو حدثت نفسك أن تفتري الكذب ، لعلمه الله وطبع على قلبك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

{ 24 } { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

يعني أم يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبا : { افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } فرموك بأشنع الأمور وأقبحها ، وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة إلى الله ما هو بريء منه ، وهم يعلمون صدقك وأمانتك ، فكيف يتجرأون على هذا الكذب الصراح ؟

بل تجرأوا بذلك على الله تعالى ، فإنه قدح في الله ، حيث مكنك من هذه الدعوة العظيمة ، المتضمنة -على موجب زعمهم- أكبر الفساد في الأرض ، حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة ، ثم بنسبتها إليه ، ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات ، والأدلة القاهرات ، والنصر المبين ، والاستيلاء على من خالفه ، وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها ، وهو أن يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئا ولا يدخل إليه خير ، وإذا ختم على قلبه انحسم الأمر كله وانقطع .

فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول ، وأقوى شهادة من الله له على ما قال ، ولا يوجد شهادة أعظم منها ولا أكبر ، ولهذا من حكمته ورحمته ، وسنته الجارية ، أنه يمحو الباطل ويزيله ، وإن كان له صولة في بعض الأوقات ، فإن عاقبته الاضمحلال .

{ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } الكونية ، التي لا تغير ولا تبدل ، ووعده الصادق ، وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحق ، وتثبته في القلوب ، وتبصر أولي الألباب ، حتى إن من جملة إحقاقه تعالى الحق ، أن يُقَيِّضَ له الباطل ليقاومه ، فإذا قاومه ، صال عليه الحق ببراهينه وبيناته ، فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع ، ويتبين بطلانه لكل أحد ، ويظهر الحق كل الظهور لكل أحد .

{ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما فيها ، وما اتصفت به من خير وشر ، وما أكنته ولم تبده .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (24)

قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } { أَمْ } هي المنقطعة ؛ أي بل أيقولون افترى محمد على الله كذبا بدعواه النبوة . والاستفهام للإنكار والتوبيخ . وافترى من الافتراء وهو الاختلاق . وافتراء الكذب اختلاقه . وهكذا يهذي المشركون المكذبون إذ يقولون إن محمدا – بما ادعاه من نبوة – قد اختلق الكذب على الله .

قوله : { فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } ذلك جواب من الله لهؤلاء المكذبين السفهاء . والمعنى : لو افتريت على الله كذبا يا محمد – كما يزعم هؤلاء الضالون – لطبع الله على قلبك فأنساك القرآن .

قوله : { وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ } أي يذهب الله بالباطل ويمحقه { وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } المراد بالحق دين الإسلام ، وهو دين الله القويم جعله الله هداية للعالمين ورحمة . والله يثبت هذا الحق بكلماته وهي القرآن الكريم . هذا الكلام الرباني المعجز الذي جعله الله نورا تستضيء به البشرية في هذه الدنيا كيلا تضلَّ أو تتعثر أو تشقى .

قوله : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الله يعلم ما تكنه صدور عباده فلا عليه من ذلك شيء . وفي ذلك إشعار من الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه لو حدثته نفسه أن يفتري على الله كذبا لطبع الله على قلبه وأذهب منه ما آتاه من وحي . وذلك ليستيقن المؤمنون ، ويعلمَ الكافرون أن القرآن منزل من عند الله وليس في مستطاع أحد أن يفتري على الله منه شيئا . {[4104]}


[4104]:تفسير الطبري ج 25 ص 17-18 وتفسير القرطبي ج 16 ص 24-25.