تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة التين

أهداف سورة التين

( سورة التين مكية ، وآياتها 8 آيات ، نزلت بعد سورة البروج )

والحقيقة الرئيسية التي تعرضها سورة التين هي حقيقة القويمة التي فطر الله الإنسان عليها .

يقسم الله سبحانه على هذه الحقيقة بالتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين .

وقد كثرت أقوال المفسرين في التين والزيتون ، فقيل : هما جبلان بالشام ، وقيل : هما هذان الأكلان اللذان نعرفهما بحقيقتهما ، وقد أقسم الله بهما لأنهما عجيبان من بين الأشجار المثمرة .

وطور سينين . هو الطور الذي نودي موسى عليه السلام من جانبه ، وهذا البلد الأمين . هو مكة بيت الله الحرام .

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تعديل ، بانتصاب قامته وحسن صورته ، واستجماعه لخواص الكائنات في تركيبه .

ثم رددناه أسفل سافلين .

أي : ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة الله عليه أن رددناه أسفل سافلين ، حيث تصبح البهائم أرفع منه وأقوم ، لاستقامتها على فطرتها ، وإلهامها تسبيح ربها ، وأداء وظيفتها على هدى ، بينما هو المخلوق في أحصن تقويم يجحد ربه ويرتكس مع هواه .

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . فطرة واستعداد . ثم رددناه أسفل سافلين . حين ينحرف بهذه الفطرة عن الخط الذي هداه الله إليه وبينه له .

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . . فلهم أجر دائم غير مقطوع ولا منقوص ولا ممنون .

فما يكذبك بالدين بعد ظهور هذه الحقيقة ، وبعد إدراك قيمة الإيمان في حياة البشرية ؟

أليس الله بأحكم الحاكمين . أليس اله بأعدل العادلين ، حين يحكم في أمر الخلق على هذا النحو ؟ أو أليست حكمة الله بالغة ؟

والعدل واضح والحكمة بارزة ، ومن ثم ورد في الحديث المرفوع : ( إذا قرأ أحدكم : والتين والزيتون . فأتى آخرها : أليس الله بأحكم الحاكمين . فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ) .

مجمل ما تضمنته السورة

أقسم الله تعالى بأنه أحسن الخلق الإنسان ، فجعله منتصب القامة ، متسق الأعضاء والخواص ، وقد يرده إلى أرذل العمر فيصير ضعيفا هرما .

أو أنه فطر الإنسان أحسن فطرة نفسا وبدنا وعقلا ، إلا أنه تمشيا مع رغباته الأثيمة ، ونزواته الشريرة ، انحطت منزلة بعض أفراده ، فصيّره الله إلى منازل الخزي والهوان ، واستثنى الله تعالى من هذا المصير ، أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير مقطوع ، وأشارت السورة أيضا إلى أن الله تعالى وهو أعدل الحاكمين ، وأعلى المدبرين حكما .

حالة النوع الإنساني خلقا وعملا

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والتين والزيتون 1 وطور سينين 2 وهذا البلد الأمين 3 لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم 4 ثم رددناه أسفل سافلين 5 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون 6 فما يكذّبك بعد بالدين 7 أليس الله بأحكم الحاكمين 8 }

المفردات :

والتين والزيتون : قسم بهما ، وقيل : قسم بمنبتهما من الأرض المباركة .

التفسير :

1- والتين والزيتون .

الله تعالى يقسم ببعض مخلوقاته ليلفت النظر إلى فضلها ، أو يشير إلى مناكبتها وأماكن وجودها ، وقد تعددت آراء العلماء في المراد بالتين والزيتون .

وأقوى الآراء هنا رأيان :

الرأي الأول :

المراد بهما : التين الذي نأكله ، والزيتون الذي نأكله ، وإنما أقسم بالتين لأنه غذاء وفاكهة ودواء ، فهو غذاء لأنه طعام لطيف ، سريع الهضم لا يمكث في المعدة ، يلين الطبع ، ويقلل البلغم ، ويطهّر الكليتين ، ويزيل ما في المثانة من الرمل ، ويسمّن البدن ، ويفتح مسام الكبد والطحال ، وهو خير الفواكه وأحمدها ، وفي الأثر : ( إنه يقطع البواسير ، وينفع من النقرس ) .

وكذلك أقسم الله بالزيتون لأنه فاكهة وإدام ودواء ، يعصر منه الزيت الذي هو إدام غالب لأهل بعض البلاد ودهنهم ، ويدخل في كثير من الأدوية .

قال تعالى : وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين . ( المؤمنون : 20 ) .

وقال تعالى : وزيتونا ونخلا . ( عبس : 29 ) .

الرأي الثاني :

أنهما كناية عن البلاد المقدّسة التي اشتهرت بالتين والزيتون ، ويكثر ذلك في بيت المقدس ، وجبل بيت المقدس ، الذي بعث منه عيسى عليه السلام .

وبذلك يكون القسم في السورة بالأماكن المقدسة التي أرسل منها الرسل الكرام : موسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء في آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة : جاء الله من طور سيناء ( يعني المكان الذي كلّم الله عليه موسى ) ، وأشرق من ساعير ( يعني جبل بيت المقدس الذي بعث منه عيسى ) ، واستعلن من جبال فاران ( يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمدا صلى الله عليه وسلم ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة والتين وهي مكية .

{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ }

( التين ) هو التين المعروف ، وكذلك { الزَّيْتُونَ } أقسم بهاتين الشجرتين ، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما ، ولأن سلطانهما في أرض الشام ، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ثماني آيات .

{ والتين والزيتون } هما جبلان بالشام طور تينا وطور زيتا بالسريانية ، سميا بالتين والزيتون لأنهما ينبتانهما .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الأكثر . وقال ابن عباس وقتادة : هي مدنية ، وهي ثماني آيات .

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " والتين والزيتون " قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي : هو تينكم الذي تأكلون ، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت ، قال اللّه تعالى : " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين{[16177]} " [ المؤمنون : 20 ] . وقال أبو ذر : أهدي للنبي صلى اللّه عليه وسلم سلُّ تين ، فقال : [ كلوا ] وأكل منه . ثم قال : [ لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم{[16178]} ، فكلوها فإنها تقطع البواسير ، وتنفع من النقرس ] . وعن معاذ : أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : [ نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة ، يطيب الفم ، ويذهب بالحفر{[16179]} ، وهي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ] . وروي عن ابن عباس أيضا : التين : مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي ، والزيتون : مسجد بيت المقدس . وقال الضحاك : التين : المسجد الحرام ، والزيتون المسجد الأقصى . ابن زيد : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : مسجد بيت المقدس . قتادة : التين : الجبل الذي عليه دمشق : والزيتون : الجبل الذي عليه بيت المقدس . وقال محمد بن كعب : التين : مسجد أصحاب الكهف ، والزيتون : مسجد إيلياء . وقال كعب الأخبار وقتادة أيضا وعكرمة وابن زيد : التين : دمشق ، والزيتون : بيت المقدس . وهذا اختيار الطبري . وقال الفراء : سمعت رجلا من أهل الشام يقول : التين : جبال ما بين حلوان إلى همذان ، والزيتون : جبال الشام . وقيل : هما جبلان بالشام ، يقال لهما طور زيتا وطور تينا بالسريانية سميا بذلك لأنهما ينبتانهما . وكذا روى أبو مكين عن عكرمة ، قال : التين والزيتون : جبلان بالشام . وقال النابغة :

أتَيْنَ التينَ عن عُرُضٍ{[16180]}

وهذا اسم موضع . ويجوز أن يكون ذلك على حذف مضاف ، أي ومنابت التين والزيتون . ولكن لا دليل على ذلك من ظاهر التنزيل ، ولا من قول من لا يجوز خلافه . قاله النحاس .

الثانية- وأصح هذه الأقوال الأول ؛ لأنه الحقيقة ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل . وإنما أقسم اللّه بالتين ، لأنه كان ستر آدم في الجنة ؛ لقوله تعالى : " يخصفان عليهما من ورق الجنة{[16181]} " [ الأعراف : 22 ] وكان ورق التين . وقيل : أقسم به ليبين وجه المنة العظمى فيه ، فإنه جميل المنظر ، طيب المخبر ، نشر{[16182]} الرائحة ، سهل الجني ، على قدر المضغة . وقد أحسن القائل فيه :

انظر إلى التين في الغصون ضُحىً *** ممزق الجلد مائل العُنُقِ

كأنه رب نعمةٍ سلبت *** فعاد بعد الجديد في الخَلَقِ

أصغر ما في النهود أكبره *** لكن يُنَادَى عليه في الطرقِ

وقال آخر :

التين يعدل عندي كل فاكهة *** إذا انثنى مائلا في غصنه الزاهي

مُخَمَّش الوجه قد سالت حلاوته *** كأنه راكع من خشية الله

وأقسم بالزيتون لأنه مثل به إبراهيم في قوله تعالى : " يوقد من شجرة مباركة زيتونة{[16183]} " [ النور : 35 ] . وهو أكثر أُدَم أهل الشام والمغرب ؛ يصطبغون{[16184]} به ، ويستعملونه في طبيخهم ، ويستصبحون به ، ويداوي به أدواء الجوف والقروح والجراحات ، وفيه منافع كثيرة . وقال عليه السلام : [ كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة ] . وقد مضى في سورة " المؤمنون " القول فيه{[16185]} .

الثالثة- قال ابن العربي : ولامتنان البارئ سبحانه ، وتعظيم المنة في التين ، وأنه مقتات مدخر فلذلك{[16186]} قلنا بوجوب الزكاة فيه . وإنما فرّ كثير من العلماء من التصريح بوجوب الزكاة فيه ، تقية جور الولاة ، فإنهم يتحاملون في الأموال الزكاتية ، فيأخذونها مغرما ، حسب ما أنذر به الصادق صلى اللّه عليه وسلم . فكره العلماء أن يجعلوا لهم سبيلا إلى مال آخر يتشططون فيه ، ولكن ينبغي للمرء أن يخرج عن نعمة ربه ، بأداء حقه . وقد قال الشافعي لهذه العلة وغيرها : لا زكاة في الزيتون . والصحيح وجوب الزكاة فيهما{[16187]} .


[16177]:آية 20 سورة المؤمنون.
[16178]:العجم (بالتحريك): النوى.
[16179]:الحفر (بفتح الحاء وسكون الفاء وفتحها): صفرة تعلو الأسنان.
[16180]:البيت بتمامه كما في كتاب الملاحن لابن دريد وشعراء النصرانية: صهب الظلال أتين التين عن عرض *** يزجين غيما قليلا ماؤه شبما والصهب والصهبة: الحمرة. والعرض: الإعتراض، أو الجانب. ويزجين: يسقن. والشبم، البارد. والبيت في وصف سحائب لا ماء فيها. وقد نسبه المؤلف لزهير.
[16181]:آية 22 سورة الأعراف.
[16182]:كذا في الأصول، ولم نجده في معاجم اللغة.
[16183]:آية 35 سورة النور. راجع جـ 12 263.
[16184]:أي يأتدمون به.
[16185]:راجع جـ 12 ص 116.
[16186]:زيادة عن ابن العربي.
[16187]:في نسخ الأصل: "فيها".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ} (1)

لما كان التين أحسن الفواكه تقويماً فيما ذكروا من فضيلته ، وهو مع كونه فاكهة شهية حلوة جداً - غذاء يقيم الصلب وقوت كالبر وسريع الهضم ، ودواء كثير النفع يولد دماً صالحاً وينفع الرئة والكلى ويلين الطبع ويحلل البلغم ويزل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال ، فكان جامعاً لجميع منافع المتناولات من الغذاء والتفكه والتحلي والتداوي ، فهو كامل في مجموع ما هو فيه من لذة طعمه وكثرة نفعه ، وكونه كفاكهة الجنة بلا شائبة تعوق عن أكله من صنوان يتعب أو نوى يرمى ، مع أنه ينتفع به رطباً ويابساً ، وهو مع ذلك في سرعة فساده وسوء تغيره أسفلها رتبة وأردؤها مغبة ، فهو كالفطرة الأولى في مبدئه سهولة وحسناً وقبولاً لكل من الإصلاح والتغير ، كآخر الهرم عند نهايته في عظيم تغيره بحيث إنه لا ينتفع بشيء منه إذا تغير ، وغيره من الفواكه إذا فسد جانب منه بقي آخر فكان في هذا كالقسم للسافل من الإنسان أقسم الله تعالى به فقال : { والتين } بادئاً به لأن القسم المشار به إليه أكثر ، فالاهتمام به أكبر .

ولما كان الزيتون في عدم فساد يطرقه أو تغير يلحقه ، وفيه الدسومة والحرافة والمرارة ، وهو إدام ودواء مع تهيئه للنفع بكل حال في أكله بعد تزييته والتنوير بدهنه والادهان به لإزالة الشعث وتنعيم البشرة وتقوية العظم وشد العصب وغير ذلك من المنافع مع لدنه وما يتبع ذلك من فضائله الجمة كالمؤمن تلاه به فقال : { والزيتون * }