تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

49

المفردات :

أو يزوجهم : أو يجعلهم زوجين ، ذكرا وأنثى .

عقيما : لا تلد ، يقال : عقمت المرأة ، تعقم عقما ، أي : صارت عاقرا .

التفسير :

50- { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير } .

ويتفضل سبحانه على بعض عباده فيعطيهم من الزوجين ، أي من الذكور والإناث ، فقد كان للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ذكور وإناث ، كان له : القاسم ، والطيب ويلقب بالطاهر ، وعبد الله ، وإبراهيم ، وكان له : فاطمة ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وكلهم من أم واحدة هي خديجة ، ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس عظيم القبط بمصر ، ولحكمة عليا يجعل الله بعض الرجال عقيما لا ولد له ، وبعض النساء عقيما لا ولد لها .

قال ابن كثير :

جعل الله تعالى الناس أربعة أقسام : منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه النوعين الذكور والإناث ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لانسل له ولا ولد ، فسبحان العليم القدير .

وقال البيضاوي :

والمعنى : يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة ، فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ، ويعقم آخرين ، والمراد من الآية بيان نفاذ قدرته تعالى في الكائنات كيف يشاء .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

وقوله { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } أي يجعل ما يهب من الولد بعضه ذكورا وبعضه إناثا { ويجعل من يشاء عقيما } لا يولد له

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

" أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد له أربعة بنين وأربع بنات . " ويجعل من يشاء عقيما " يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام ، لم يذكر عيسى . ابن العربي : قال علماؤنا " يهب لمن يشاء إناثا " يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن . " ويهب لمن يشاء الذكور " يعني إبراهيم ، كان له بنون ولم يكن له بنت . وقول : " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " يعني آدم ، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ذكرا وأنثى . ويزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر ، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم . وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث من الأولاد : القاسم والطيب والطاهر وعبد الله{[13550]} وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة ، وكلهم من خديجة رضي الله عنها ، وإبراهيم وهو من مارية القبطية . وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا ، إلى أن تقوم الساعة ، على هذا التقدير المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة ؛ ليبقى النسل ، ويتمادى الخلق ، وينفذ الوعد ، ويحق الأمر ، وتعمر الدنيا ، وتأخذ الجنة وجهنم كل واحدة ما يملؤها ويبقى . ففي الحديث : ( إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه{[13551]} ، فتقول : قط قط{[13552]} . وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر ) .

الثانية- قال ابن العربي : إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء ، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة ، فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات ، كما قال القدوس السلام ، فخلق آدم من الأرض وخلق حواء من آدم وخلق النشأة من بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا{[13553]} ) . وكذلك في الصحيح أيضا : ( إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله ) .

قلت : وهذا معنى حديث عائشة لا لفظه ، خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ فقال : ( نعم ) فقالت لها عائشة : تربت يداك وألت{[13554]} ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك . إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه ) . قال علماؤنا : فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه ، وقد جاء في حديث ثوبان خرجه مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهودي : ( ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله . . . ) الحديث . فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والأنوثة ، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمام والذكورة إن علا مني الرجل ، وكذلك يلزم إن علا مني المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة ؛ لأنهما معلولا علة واحدة ، وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك ؛ لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين . والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثوبان فيقال : إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ، ووجه أن العلو لما كان معناه الغلبة من قولهم سابقني فلان فسبقته أي غلبته ، ومنه قوله تعالى : " وما نحن بمسبوقين " [ الواقعة : 60 ] أي بمغلوبين ، قيل عليه علا . ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث : ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا ) . وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الأحاديث بناء فقال : إن للماءين أربعة أحوال : الأول : أن يخرج ماء الرجل أولا ، الثاني : أن يخرج ماء المرأة أولا ، الثالث : أن يخرج ماء الرجل أولا ويكون أكثر ، الرابع : أن يخرج ماء المرأة أولا ويكون أكثر . ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولا ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس ، فإذا خرج ماء الرجل أولا وكان أكثر جاء الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة . وإن خرج ماء المرأة أولا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الغلبة . وإن خرج ماء الرجل أولا لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة ، وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة ، كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل . قال : وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث ، فسبحان الخالق العليم .

الثالثة- قال علماؤنا : كانت الخلقة مستمرة ذكرا وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى ، فأتي به فريض العرب ومعمرها{[13555]} عامر بن الظرب فلم يدر ما يقول فيه وأرجأهم عنه ، فلما جن عليه الليل تنكر موضعه ، وأقض عليه مضجعه ، وجعل يتقلب ويتقلب ، وتجيء به الأفكار وتذهب ، إلى أن أنكرت خادمه حاله فقالت : ما بك ؟ قال لها : سهرت لأمر قصدت به فلم أدر ما أقول فيه ؟ فقالت ما هو ؟ قال لها : رجل له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له الأمة : ورثه من حيث يبول ، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم وانقلبوا بها راضين . وجاء الإسلام على ذلك فلم تنزل إلا في عهد علي رضي الله عنه فقضى فيها . وقد روى الفرضيون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال : من حيث يبول . وروي أنه أتي بخنثى من الأنصار فقال : ( ورثوه من أول ما يبول ) . وكذا روى محمد ابن الحنفية عن علي ، ونحوه عن ابن عباس ، وبه قال ابن المسيب وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ، وحكاه المزني عن الشافعي . وقال قوم : لا دلالة في البول ، فإن خرج البول منهما جميعا قال أبو يوسف : يحكم بالأكثر . وأنكره أبو حنيفة وقال : أتكيله ! ولم يجعل أصحاب الشافعي للكثرة حكما . وحكي عن علي والحسن أنهما قالا : تعد أضلاعه ، فإن المرأة تزيد على الرجل بضلع واحد . وقد مضى ما للعلماء في هذا في آية المواريث في " النساء " {[13556]} مجودا والحمد لله .

الرابعة- قال القاضي أبو بكر بن العربي : وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى ؛ لأن الله تعالى قسم الخلق إلى ذكر وأنثى . قلنا : هذا جهل باللغة ، وغباوة عن مقطع الفصاحة ، وقصور عن معرفة سعة القدرة . أما قدرة الله سبحانه فإنه واسع عليم ، وأما ظاهر القرآن فلا ينفي وجود الخنثى ؛ لأن الله تعالى قال : " لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء " . فهذا عموم مدح فلا يجوز تحصيصه ؛ لأن القدرة تقتضيه . وأما قوله : " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما " فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات ، وسكت عن ذكر النادر لدخول تحت عموم الكلام الأول ، والوجود يشهد له والعيان يكذب منكره ، وقد كان يقرأ معنا برباط أبي سعيد على الإمام الشهيد من بلاد المغرب خنثى ليس له لحية وله ثديان وعنده جارية ، فربك أعلم به ، ومع طول الصحبة عقلني الحياء عن سؤاله ، وبودي اليوم لو كاشفته عن حاله .


[13550]:القول الأصح أن الذكور ثلاثة: القاسم وعبد الله (ويسمى بالطيب والطاهر) وإبراهيم. راجع شرح المواهب اللدنية.
[13551]:قال القسطلاني:" أي يذللها تذليل من يوضع تحت الرجل، والعرب تضع الأمثال بالأعضاء ولا تريد أعيانها كقولها للنادم: سقط في يده".
[13552]:قوله:" قط قط" بكسر الطاء وسكونها فيهما، ويجوز التنوين مع الكسر والمعنى: حسبي حسبي قد اكتفيت.
[13553]:روى بالمد وتخفيف النون وبالقصر وتشديد النون.
[13554]:قوله: "تربت يداك". معناه: ما أصبت! وهو في الأصل بمعنى صار في يدك التراب ولا أصبت خيرا أي افتقرت، لكن لا يريدون به الدعاء على المخاطب، كما يقولون: قاتله الله؛ إلى غير ذلك. وقوله "وألت": أي صاحت لما أصابها من شدّة هذا الكلام. وروي بضم الهمزة مع التشديد، أي طعنت بالألة وهي الحربة. قال ابن الأثير:وقيه بعد، لأنه لا يلائم لفظ الحديث.
[13555]:في ابن العربي:" ومعتمدها". ويقال: إنه عاش ثلاثمائة عام.
[13556]:راجع ج 5 ص 65 فما بعدها.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ} (50)

ولما فرغ من القسمين الأولين عطف عليهما قسيماً لهما ودل على أنه قسم بأو فقال : { أو يزوجهم } أي الأولاء بجعلهم ازواجاً أي صنفين حال كونهم { ذكراناً وإناثاً } مجتمعين في بطن ومنفردين كما منح محمداً صلى الله عليه وسلم ، ورتبهما هنا على الأصل تنبيهاً على أنه ما فعل غير ذلك فيما مضى إلا لنكت جليلة فيجب تطلبها ، وعبر في الذكر بما هو أبلغ في الكثرة ترغيباً في سؤاله ، والخضوع لديه رجاء نواله .

ولما فرغ من أقسام الموهوبين الثلاثة ، عطف على الإنعام بالهبة سلب ذلك ، فقال موضع أن يقال مثلاً : ولا يهب شيئاً من ذلك لمن يشاء : { ويجعل من يشاء عقيماً } أي لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام - كذا قالوه ، والظاهر أنه لا يصح مثالاً فإنه لم يتزوج ، قال ابن ميلق ، وأصل العقيم اليبس المانع من قابلية التأثر لما من شأنه أن يؤثر ، والداء العقام هو الذي لا يقبل البرء - انتهى . فهذا الذي ذكر أصرح في المراد لأجل ذكر العقم ، وأدل على القدرة لأنه شامل لمن له قوة الجماع والإنزال لئلا يظن أن عدم الولد لعدم تعاطي أسبابه ، وذكروا في هذا القسم عيسى عليه الصلاة والسلام . ولا يصح لأنه ورد أنه يتزوج بعد نزوله ويولد له ، وهذه القسمة الرباعية في الأصول كالقسمة الرباعية في الفروع ، بعضهم لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه الصلاة والسلام ، وبعضهم من ذكر فقط كحواء عليها السلام ، وبعضهم من أنثى فقط كعيسى عليه السلام وبعضهم من ذكر وأنثى وهم أغلب الناس ، فتمت الدلالة على أنه ما شاء كان ولا راد له وما لم يشأ لم يكن ، ولا مكون له ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .

ولما دل هذا الدليل الشهودي على ما بنيت الآية عليه من إثبات الملك له وحده مع ما زادت به من جنس السياق وعذوبة الألفاظ وإحكام الشك وإعجاز الترتيب والنظم ، كانت النتيجة قطعاً مؤكدة لتضمن إشراكهم به الطعن في توحده بالملك مقدماً فيها الوصف الذي هو أعظم شروط الملك : { إنه عليم } أي بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها { قدير* } شامل القدرة على تكوين ما يشاء .