رهوا : مفتوحا ذا فجوة واسعة ، أو ساكنا على هيئته .
فأسر : سر بهم ليلا ، والإسراء : السير بالليل ، وأما السرى فهو السير بالنهار .
23 ، 24- { فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون * واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون } .
تلك معجزة إلهية كبرى ، فقد اشتكى موسى إلى ربه من إجرام فرعون وقومه ، فأمره الله أن يسير بمن آمن من بني إسرائيل ليلا ، فالليل ستر وظلام للهارب ، وفيه يسر للمسافر ، حيث يحفظه من شدة الحر ، وييسر على الدواب الحركة ، بعيدا عن وهج الشمس ومشقة الهجير .
إن فرعون وقومه سيتبعونكم رغبة في الانتقام منكم ، وقد سار موسى وقومه ليلا ، وأحس فرعون بهربه ، فجمع جيشه وخرج وراءه ليدركهم ويعاقبهم ، عندئذ قال أصحاب موسى : { إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } . ( الشعراء : 61 ، 62 ) .
فأمره الله أن يضرب البحر بعصاه ، فضرب موسى البحر فانفلق ، فصار كل فرق كالطود العظيم ، أي صارت كل ناحية من الماء كالجبل العظيم المرتفع ، وأمره الله أن يسير في طريق يابس مريح آمن ، ولما انتقل موسى ومن معه إلى الشاطئ الآخر ، أمره الله أن يترك البحر على حالته ، لأن فرعون وجنوده سيسيرون خلفكم ، فنغرقهم عقابا لهم .
{ رهوا } : ساكنا منفرجا على هيئته بعد أن تجاوزه موسى ومن معه .
أي : إن فرعون وقومه سيغرقون فيه .
كما قال تعالى : { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى } . ( طه : 77 ) .
قال ابن كثير وابن جزي وغيرهما :
{ واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون } .
وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر ، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ، ليصير حائلا بينهم وبين فرعون فلا يصل إليهم ، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنا ، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه ، وأنه لا يخاف دركا ولا يخشى .
{ واترك البحر رهوا . . . } كهيئته وامض .
{ رهوا } . طريقا يابسا كهيئته ، يقول : لا تأمره يرجع ، اتركه حتى يدخل فيه آخرهم .
قال ابن عباس : " رهوا " أي طريقا . وقال كعب والحسن . وعن ابن عباس أيضا سمتا . الضحاك والربيع : سهلا . عكرمة : يبسا ، لقوله : " فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا " وقيل : مفترقا . مجاهد : منفرجا . وعنه يابسا . وعنه ساكنا ، وهو المعروف في اللغة . وقاله قتادة والهروي . وقال غيرهما : منفرجا . وقال ابن عرفة : وهما يرجعان إلى معنى واحد وإن اختلف لفظاهما ، لأنه إذا سكن جريه انفرج . وكذلك كان البحر يسكن جريه وانفرج لموسى عليه السلام . والرهو عند العرب : الساكن ، يقال : جاءت الخيل رهوا ، أي ساكنة . قال :
والخيلُ تَمْزَعُ رَهْوًا في أعنَّتها *** كالطير تنجو من الشُّؤْبُوبِ ذِي البَرَدِ{[13724]}
الجوهري : ويقال أفعل ذلك رهوا ، أي ساكنا على هينتك{[13725]} . وعيش راه ، أي ساكن رافه . وخمس راه ، إذا كان سهلا . ورها البحر أي سكن . وقال أبو عبيد : رها بين رجليه يرهو رهوا أي فتح ، ومنه قوله تعالى : " واترك البحر رهوا " : السير السهل ، يقال : جاءت الخيل رهوا . قال ابن الأعرابي : رها يرهو في السير أي رفق . قال القطامي في نعت الركاب :
يمشينَ رهوًا فلا الأعجازُ خاذلةٌ *** ولا الصدور على الأعجاز تَتَّكِلُ
والرهو والرهوة : المكان المرتفع ، والمنخفض أيضا يجتمع فيه الماء ، وهو من الأضداد . وقال أبو عبيد : الرهو : الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره . وفي الحديث أنه قضى أن ( لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة ولا ركح ولا رهو{[13726]} ) . والجمع رهاء . والرهو : المرأة الواسعة الهَن . حكاه النضير بن شميل . والرَّهْو : ضرب من الطير ، ويقال : هو الكركي . قال الهروي : ويجوز أن يكون " رهوا " من نعت موسى - وقال القشيري - أي سر ساكنا على هينتك ، فالرهو من نعت موسى وقومه لا من نعت البحر ، وعلى الأول هو من نعت البحر ، أي اتركه ساكنا كما هو قد انفرق فلا تأمره بالانضمام . حتى يدخل فرعون وقومه . قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر لما قطعه بعصاه حتى يلتئم ، وخاف أن يتبعه فرعون فقيل له هذا . وقيل : ليس الرهو من السكون بل هو الفرجة بين الشيئين ، يقال : رها ما بين الرجلين أي فرج . فقوله : " رهوا " أي منفرجا . وقال الليث : الرهو ومشي في سكون ، يقال : رها يرهو رهوا فهو راه . وعيش راه : وادع خافض . وافعل ذلك سهوا رهوا ، أي ساكنا بغير شدة . وقد ذكرناه آنفا . " إنهم " أي إن فرعون وقومه . " جند مغرقون " أخبر موسى بذلك ليسكن قلبه .
ولما أمره بالإسراء وعلله ، أمره بما يفعل فيه وعلله فقال : { واترك البحر } أي إذا أسريت{[57479]} بهم وتبعك العدو ووصلت إليه وأمرناك بضربه لينفتح لتدخلوا [ فيه-{[57480]} ] فدخلتم ونجوتم{[57481]} { رهواً } بعد خروجكم منه بأجمعكم أي منفرجاً واسعاً ساكناً بحيث يكون المرتفع من مائه مرتفعاً والمنخفض منخفضاً كالجدار ، وطريقه الذي سرتم{[57482]} به يابساً{[57483]} ذا سير سهل على الحالة التي دخلتم فيها ليدخل فيه عدوكم فنمجد بإغراقهم كما وعدناكم ، وقال البغوي{[57484]} : راهياً أي {[57485]}ذا رهو{[57486]} فسمي بالمصدر - وعزاه إلى مقاتل - انتهى . ولما كانت هذه أسباباً لدخول آل فرعون فيه ، علل بما يكون عنها تسكيناً لقلوبهم في ترك البحر طريقاً مفتوحاً يدخله العدو ، فقال مؤكداً لأجل استبعاد بني إسرائيل مضمون الخبر لأنه{[57487]} من خوارق العادات مع ما لفرعون وآله في قلوبهم من الهيبة الموجبة لأن يستبعدوا معها عمومهم بالإهلاك { إنهم جند مغرقون * } أي متمكنون في [ هذا-{[57488]} ] الوصف وإن كان لهم وصف القوة والتجمع الذي محطه النجدة الموجبة للعلو في الأمور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.