تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (81)

{ وإذا اخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }

المفردات :

ميثاق النبيين : الميثاق العهد الموثق المؤكد .

لما آتيتكم : اللام الموطئة للقسم وما بمعنى الذي كان نقله سيبويه عن الخليل أي الذي آتيتكموه وقيل إن ما شرطية بمعنى إن وهو الظاهر .

وحكمة : أي نبوة سميت حكمة لأنها منبعها .

إصري : عهدي وميثاقي .

التفسير :

81- { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمن به ولتنصرنه }

واذكر يا محمد لأهل الكتاب كيف اخذ الله العهد على النبيين جميعا لئن آتيتكم من كتاب تبلغونه لأممكم وحكمة – أي نبوة ورسالة إليهم- ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتصدقن بأنه مرسل من عندي إلى الناس ولتنصرنه بالتبشير به وحض أممكم على ان تؤمن به إذا بعث إليهم وتنصره تؤيده فيما جاء به ؟

قال الله تعالى لهم بعد أخذ الميثاق عليهم : هل أقررتم بالإيمان به ونصرته وأخذتم على ذلكم عهدي وقبلتموه لتنفذوه وتعملوا به ؟ قالوا أقررنا ووافقنا . قال الله تعالى : فليشهد بعضكم على بعض بهذا الإقرار وأنا معكم من الشاهدين على إقراركم وشهادة بعضكم على بعض .

والمراد من الرسول الذي يجيئكم مصدقا لما معكم كل رسول يعاصرهم ؟ أو يأتي بعدهم فالآية الكريمة تفيد ان الله تعالى اخذ الميثاق على الأنبياء ان يصدق بعضهم بعضا ويؤيده ولا يعارضه ويوصي باتباعه فإن دين الجميع واحد قال صلى الله عليه وسلم " الأنبياء بنو علات ( 197 ) أمهاتهم شتى ودينهم واحد " ( 198 ) .

وبعموم الرسول اخذ سعيد بن جبير وقتادة وطاووس والسدى والحسن وهو ظاهر الآية قال طاووس : أخذ الله ميثاق الأول من الانبياء : ان يؤمن بما جاء به الآخر .

ومن العلماء من قال : والمراد من الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأرجح وبه قال الإمام علي رضي الله عنه فقد أخرج عنه ابن جرير قال : " لم يبعث الله نبيا من آدم فمن بعده إلا اخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه " .

وسواء أكانت الآية عامة في تأييد جميع الرسل بعضهم لبعض وحث أممهم على اتباعهم أم خاصة بتأييدهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونصرته بحث أممهم على تأييده إن بعث- فالغرض من الآية : أن محمدا صلى الله عليه وسلم وقد أيده الله بالمعجزات المحققة لرسالته وجاء مصدقا لما مع الأنبياء قبله فهو مؤيد من المرسلين قبله وأن على أهل الكتاب المعاصرين له : ان يؤمنوا امتثالا لما جاء عنه في كتب رسلهم فإن كتب المرسلين توصي بالإيمان بكل رسول .

والقرآن الكريم جرى على هذا المنهج قال تعالى : { قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون . ( البقرة 136 ) .