تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَـٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (131)

المفردات :

الحسنة : كل خير والأقرب هنا هي السعة والخصب .

سيئة : السيئة كل ما يسوء والأقرب هنا الجدب والقحط .

يطيروا : يتشاءموا .

طائركم : يطلق الطائر على الحظ والنصيب والعمل والرزق .

التفسير :

{ 131 – فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه . . . }

أي : فإذا جاءهم ما يستحسنونه من الخصب والسعة والرخاء ، قالوا بغرور وصلف : ما جاء هذا الخير إلا من أجلنا ؛ لأننا أهل له ، ونحن مستحقون له بكدنا واجتهادنا وامتيازنا على غيرنا ، ناسين فضل الله عليهم ، ولطفه لهم غافلين من شكره على نعائمه .

{ وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } .

أي : وإن اتفق أن أصابتهم سيئة ، أي حالة تسوؤهم كالجدب والقحط أو مصيبة في الأبدان أو الأرزاق ، تشاءموا بموسى ومن معه من أتباعه ، ونسبوا ذلك إليهم ، وقالوا : ما حلت بنا الكوارث وما أصابتنا النوازل إلا بشؤم موسى ومن معه ولو لم يكونوا معنا لما أصبنا ، وذلك لقسوة قلوبهم وتركهم التدبر في الآيات والنذر .

" والتطير : هو التشاؤم على عادة العرب من زجر الطير فكانوا إذا أطلقوا طائرا فطار إلى اليمين تيامنوا به واستبشروا وسموه( سانحا ) ، وإذا طار إلى اليسار تشاءموا به وسمّوه( بارحا ) " 14 .

وقد نهى الإسلام عن التطير والتشاؤم وأباح التفاؤل والاستبشار .

روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا سفر . وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد )15 .

وفي الحديث : " لا طيرة وخيرها الفأل " قالوا : وما الفأل يا رسول الله ؟ قال : " الكلمة الطيبة يسمعها أحدكم " 16 .

والأحاديث تنهي عن التشاؤم ؛ لأنه يضعف الهمة والعزيمة ، ويجعل الإنسان يتوقع المصائب ، فإذا رأى الإنسان ما يتشاءم منه قال : " اللهم ؛ لا يأتي بالخير إلا أنت ولا يذهب السوء إلا أنت ، اللهم اكفني السوء بما شئت وكيف أنك على ما تشاء قدير " 17 ، ثم مضى في طرقه ولا يترك عمله .

وهذا معنى الحديث لشريف : " لا طيرة " .

أي : لا تتشاءم ولا تترك أي عمل واستعذ بالله من السوء ، ثم توكل على الله .

لكن هناك الفأل الحسن ، وهو أن تسمع كلمة تتفاءل بها .

كان تذهب إلى مهمة أو مصلحة فتسمع من يقول : ناجح أو فالح أو رابح أو منتصر .

فيباح لك أن تتفاءل وتستبشر وتتوقع خيرا من ذلك العمل إن شاء الله .

ألا إنما طائرهم عند الله .

أي : إن ما ينزل بهم من خير أو شر ، وما يحل بهم من بلاء أو عافية هو من عند الله ، وأن ليس لموسى ولا لقومه شيء في هذا الأمر كله .

وكل من الشر والخير ابتلاء من الله لعباده ، قال تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة . ( الأنبياء : 35 )

{ ولكن أكثرهم لا يعلمون } .

أي : ولكن أكثر هؤلاء الطغاة الجبارين جهلاء ، لا يعلمون أن ما حل بهم من الشدائد والنوازل ، ما هو إلا بلاء من الله وحده ، بسبب ذنوبهم واستعلائهم في الأرض بغير الحق ، ليزدجروا ، لا بسبب موسى ومن معه ، وما أصابهم من الخير ما هو إلا فتنة لعلهم يتذكرون ويشكرون ، لكنهم يجهلون حكمة تصرف الخالق في هذا الكون ، ويجهلون أسباب الخير والشر ، ويجهلون أن كل شيء في الكون بمشيئة الله وتدبيره .