السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ} (20)

{ وجعلنا لكم فيها } ، أي : إنعاماً منا وتفضلاً عليكم { معايش } وهي بياء صريحة من غير مدّ جمع معيشة وهو ما يعيش به الإنسان مدّة حياته في الدنيا من المطاعم والملابس والمعادن وغيرها . { و } جعلنا لكم { من لستم له برازقين } من العبيد والأنعام والدواب والطير فإنكم تنتفعون بها ولستم لها برازقين لأنّ رزق جميع الخلق على الله تعالى وبعض الجهال يظنون في أكثر الأمر أنهم هم الذين يرزقون العيال والخدم والعبيد ، وذلك خطأ فإنّ الله هو الرزاق يرزق المخدوم والخادم والمملوك والمالك لأنه تعالى خلق الأطعمة والأشربة وأعطى القوة الغاذية والهاضمة وإلا لم يحصل لأحد رزق . فإن قيل : صيغة من مختصة بمن يعقل ؟ أجيب : بأنه تعالى أثبت لجميع الدواب رزقاً على الله تعالى حيث قال : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها } [ هود : 6 ] فغلب من يعقل على غيره . حكي أنّ الماء قد قلّ في بعض الأودية والجبال واشتدّ الحرّ قال بعضهم : فرأيت بعض تلك الوحوش رفعت رؤوسها إلى السماء عند اشتداد عطشها قال : فرأيت الغيوم قد أقبلت وأمطرت وامتلأت الأودية .

تنبيه : قيل لا يجوز أن يكون و{ من لستم له برازقين } مجروراً عطفاً على الضمير لا يقال : أخذت منك وزيد إلا بإعادة الخافض كما في قوله تعالى : { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } [ الأحزاب ، 7 ]

والراجح الجواز كما قرئ قوله تعالى : { تساءلون به والأرحام } [ النساء ، 1 ] بالخفض في القراءات السبع وهذا أعظم دليل .