السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

ولما أتم ما أراد من آيتي السماء والأرض وختمه بشمول قدرته لكل شيء أتبعه ما ينشأ عنهما مما هو بينهما مودعاً في خزائن قدرته بقوله تعالى : { وأرسلنا الرياح } جمع ريح وهو جسم لطيف منبث في الجوّ سريع الممر { لواقح } ، أي : حوامل لأنها تحمل الماء إلى السحاب فهي لاقحة ، يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد . وقال ابن مسعود : يرسل الله تعالى الريح فتحمل الماء فتمجه في السحاب ثم تمرّ به فتدرّ كما تدر اللقحة ثم تمطر . وقال عبيد بن عمير : يبعث الله تعالى الريح المثيرة فتثير السحاب ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاماً ثم يبعث الله اللواقح تلقح الشجر . وعن ابن عباس قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبيّ صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال : «اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها ريحاً » . وعن عائشة رضي الله عنها «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال : اللهمّ إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به » . وقرأ حمزة بالإفراد والباقون بالجمع . { فأنزلنا } ، أي : بعظمتنا بسبب تلك السحاب التي حملتها الريح { من السماء } ، أي : الحقيقية أو جهتها أو السحاب لأنّ الأسباب المترقبة يسند الشيء تارة إلى القريب منها وتارة إلى البعيد { ماء } وهو جسم مائع سيال به حياة كل حيوان من شأنه الاغتذاء { فأسقيناكموه } ، أي : جعلناه لكم سقياً ، يقال : سقيته ماء يشربه و أسقيته ، أي : مكنته منه ليسقي به ماشيته ومن يريد ، ونفى سبحانه وتعالى عن غيره ما أثبته أولاً لنفسه بقوله : { وما أنتم له } ، أي : لذلك الماء { بخازنين } ، أي : ليست خزائنه بأيديكم والخزن وضع الشيء في مكان مهيأ للحفظ فثبت أنّ القادر عليه واحد مختار .