السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَيۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَٰحِبۡنِيۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّي عُذۡرٗا} (76)

{ قال } موسى حياءً منه لما أفاق بتذكيره ما حصل من فرط الوجد لأمر اللّه تعالى فذكر أنه ما تبعه إلا بأمر اللّه تعالى { إن سألتك عن شيء بعدها } أي : بعد هذه المرّة وأعلم بشدّة ندمه على الإنكار بقوله : { فلا تصاحبني } أي : لا تتركني أتبعك بل فارقني ثم علل ذلك بقوله : { قد بلغت } وأشار إلى أن ما وقع منه من الإخلال بالشرط من أعظم الخوارق التي اضطر إليها فقال : { من لدني } أي : من قبلي { عذراً } باعتراضي مرّتين واحتمالك لي فيهما ، وقد أخبر اللّه بحسن حالك في غزارة عملك فمدحه بهذه الطريقة من حيث أنه احتمله مرّتين أوّلاً وثانياً مع قرب المدّة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «رحم اللّه أخي موسى استحيا فقال ذلك ، ولو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب » وعن أبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «رحمة اللّه علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أن عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة أي : حياء وإشفاق ، فقال : إن سألتك إلى آخره » ، وقرأ نافع بضم الدال وتخفيف النون ، وقرأ شعبة كذلك إلا أنه يشم الدال فتصير ساكنة قريبة من الضم والباقون بضم الدال وتشديد النون .