السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

ولما قال تعالى : { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } [ طه ، 99 ] ذكره هذه القصة إنجازاً للوعد ، فقال تعالى : { ولقد عهدنا } . بما لنا من العظمة { إلى آدم } أبي البشر أي : وصيناه أن لا يأكل من الشجرة ، وإنما عطفها على قوله تعالى : { وصرفنا فيه من الوعيد } [ طه ، 113 ] للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان ، وعرقهم راسخ بالنسيان { من قبل } أي : في زمن من الأزمان الماضية قبل هؤلاء الذين تقدّم في هذه السورة ذكر نسيانهم وإعراضهم { فنسي } عهدنا ، وأكل منها { ولم نجد له عزماً } أي : تصميم رأي وثبات على الأمر ؛ إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ، ولم يستطع تغريره ؛ قال البيضاوي : ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق أريها وشريها انتهى ، والأري العسل ، والشري : الحنظل ؛ قال البغوي : قال أبو أمامة الباهلي : لو وزن حلم آدم بحلم ولده لرجح حلمه ، وقد قال الله تعالى : { ولم نجد له عزماً } ، وقال البيضاوي : وعن النبي صلى الله عليه وسلم «لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه » ، وقد قال تعالى : ولم نجد له عزماً ، قال ابن الأثير : والحلم بالكسرة الأناة والتثبت في الأمور .

فإن قيل : ما المراد بالنسيان ؟ أجيب بأنه يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر ، وإنه لم يعنِ بالوصية العناية الصادقة ، ولم يستوثق منها بقصد القلب عليها ، وضبط النفس حتى تولد من ذلك النسيان ، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان بل كان يؤاخذ به ، وإنما رفع عنا ، وكان الحسن يقول : ما عصى أحد قط إلا بنسيان ، وإن يراد الترك وأنه ترك ما أوصي به من الاحتراز عن الشجرة وأكل ثمرتها ، وقيل : نسي عقوبة الله تعالى ، وظن أنه نهي تنزيه .