السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡۖ كُلٌّ إِلَيۡنَا رَٰجِعُونَ} (93)

{ وتقطعوا } أي : بعض المخاطبين { أمرهم بينهم } أي : تفرقوا أمر دينهم متخالفين فيه وهم طوائف اليهود والنصارى ؛ قال الكلبي : فرّقوا دينهم بينهم يلعن بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض .

تنبيه : الأصل وتقطعتم إلا أنّ الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات كأنه ينعي عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ، ويقبح عليهم فعلهم عندهم ، ويقول لهم : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله تعالى ، والمعنى : جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه بينهم ، فيصير لهذا نصيب ، ولذاك نصيب تمثيلاً لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى ، ثم توعدهم بقوله تعالى : { كلٌ } أي : من هذه الفرق وإن بالغ في التمرّد { إلينا } يوم القيامة { راجعون } فنحكم بينهم فيتسبب عن ذلك أنّا نجازيهم إقامة للعدل ، فنعطي كلاً من المحق التابع لأصفيائنا والمبطل المائل إلى الشياطين أعدائنا ما يستحقه ، وذلك هو معنى قوله تعالى فارقاً بين المحسن والمسيء تحقيقاً للعدل وتشويقاً إلى الفضل .