السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (91)

القصة العاشرة : قصة مريم وابنها عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى : { والتي } أي : واذكر مريم التي { أحصنت فرجها } أي : حفظته من الحلال والحرام حفظاً يحق له أن يذكر ويتحدّث به كما قال تعالى حكاية عنها ، { ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً } [ مريم ، 20 ] ؛ لأنّ ذلك غاية في العفة والصيانة والتخلي عن الملاذ إلى الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة مع ما جمعت مع ذلك من الأمانة والاجتهاد في متانة الديانة والصحيح أنها ليست بنبية { فنفخنا فيها من روحنا } أي : أمرنا جبريل حتى نفخ في جيب درعها فأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها ، وأضاف الروح إليه تعالى تشريفاً لعيسى عليه السلام كبيت الله وناقة الله .

ثم بيّن تعالى ما خص مريم وعيسى من الآيات فقال تعالى : { وجعلناها وابنها } أي : قصتهما أو حالهما ، ولذلك وحد قوله تعالى : { آية للعالمين } من الجنّ والإنس والملائكة ، وإنّ تأمّل حالهما تحقق كمال قدرة الله تعالى فإن قيل : هلا قال تعالى آيتين كما قال تعالى : { وجعلنا الليل والنهار آيتين } [ الإسراء ، 12 ] أجيب : بما تقدّم وبأن الآية كانت فيهما واحدة وهي أنها أتت به من غير فحل .