السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

الصفة التاسعة المذكورة في قوله تعالى : { والذين يقولون } أي : علماً منهم بعد اتصافهم بجميع ما مضى أنهم أهل للإمامة { ربنا هب لنا من أزواجنا } اللاتي قرنتهن بنا كما فعلت بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم فمدحت أزواجه في كلامك القديم ، وجعلت مدحهن يتلى على تعاقب الأزمان والسنين { وذرياتنا قرة أعين } لنا بأن نراهم مطيعين لك ولا شيء أسر للمؤمن من أن يرى حبيبه يطيع الله تعالى ، وعن محمد بن كعب ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده يطيعون الله ، وعن ابن عباس هو الولد إذا رآه يكتب الفقه وخصوا الأزواج والذرية بذلك ؛ لأن الأقربين أولى بالمعروف .

تنبيه : من في قوله تعالى { من أزواجنا } يحتمل أن تكون بيانية كأنه قيل : هب لنا قرة أعين ، ثم بينت القرة وفسرت بقوله : { من أزواجنا وذرياتنا } ، ومعناه أن اجعلهم لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسداً أي : أنت أسد ، وأن تكون ابتدائية على معنى هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وإصلاح وأتوا بجمع القلة في أعين ؛ لأن المتقين الذين يفعلون الطاعة ويسرون بها قليلون في جنب العاصين ، وقيل : سألوا أن يلحق الله بهم أزواجهم وذريتهم في الجنة ليتم لهم سرورهم ووحد القرّة لأنها مصدر ، وأصلها من البرد لأن العرب تتأذى من الحر وتتروح إلى البرد وتذكر قرة العين عند السرور وسخنة العين عند الحزن ويقال : دمع العين عند السرور بارد وعند الحزن حار ، وقال الأزهري : معنى قرة العين أن يصادف قلبه من يرضاه فتقر عينه عن النظر إلى غيره ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص بألف بعد الياء على الجمع والباقون بغير ألف على الإفراد { واجعلنا للمتقين إماماً } أي : أئمة يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس كقوله تعالى : { ثم يخرجكم طفلاً } ( غافر ، 67 )

أو أرادوا واجعل كل واحد منا أو أرادوا جمع آم كصائم وصيام أو أرادوا اجعلنا إماماً واحداً لاتحادنا واتفاق كلمتنا ، وعن بعضهم في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يحسن أن تطلب ويرغب فيها ، وقال الحسن : نقتدي بالمتقين ويقتدي المتقون بنا ، وقيل : هذا من المقلوب ، أي : واجعل المتقين لنا إماماً واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم ، وهو قول مجاهد ، وقيل : نزلت هذه الآية في العشرة المبشرين بالجنة ، .