السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ولما شرح سبحانه وتعالى صفات المتقين وأثنى عليهم من أجلها وشرح ثوابهم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { قل } أي : لكفار مكة { ما يعبأ } أي : ما يصنع { بكم } أيها الكافرون من عبأت الجيش أو لا يعتد بكم { ربي } أي : المحسن إليّ وإليكم برحمانيته المخصص لي بالإحسان برحيميته وإنما خص بالإضافة لاعترافه دونهم { لولا دعاؤكم } أي : عبادتكم وما متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب وهي عبارة عن المصدر كأنه قيل : وأي عبء يعبأ بكم لولا عبادتكم وطاعتكم إياه كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات ، 56 )

{ فقد كذبتم } بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ، وقال قوم : ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة وما يفعل بعذابكم لولا شرككم كما قال تعالى : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } ( النساء ، 147 ) لولا دعاؤكم أي : نداؤكم في الشدائد كما قال تعالى : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } ( العنكبوت ، 65 ) ، وقوله تعالى : { فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون } ( الأنعام ، 42 ) ويجوز أن تكون ما نافية وجرى على ذلك الجلال المحلي { فسوف } أي : فتسبب عن تكذيبهم أن يجازيكم على ذلك ولكنه مع قدرته واختياره وقوته لا يعاجلكم بل { يكون } جزاء هذا التكذيب عند انقضاء ما ضربه لكم من الآجال { لزاماً } أي : لازماً يحيق بكم لا محالة ، فاعتدوا وتهيؤوا لذلك اليوم فكل آت قريب وكل بعيد عنكم قريب عنده ، وعن مجاهد : هو القتل يوم بدر وإنه لوزم بين القتلى لزاماً قتل منهم تسعون وأسر منهم سبعون ، وعن ابن مسعود : خمس قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام ، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن «من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير حساب » حديث موضوع والله أعلم .

1 - أي المذكور في الآية 30