السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا} (69)

الرابع : التقييد بالمضاعفة في قوله تعالى مستأنفاً : { يضاعف } بأسهل أمر { له العذاب } جزاء ما أتبع نفسه هواها ، الخامس : التهويل بقوله تعالى : { يوم القيامة } الذي هو أهول من غيره بما لا يقاس ، السادس : الإخبار بالخلود الذي أقل درجاته أن يكون مكثاً طويلاً بقوله تعالى : { ويخلد فيه } وقرأ يضاعف ويخلد ابن عامر وشعبة برفع الفاء والدال ، والباقون بجزمهما وأسقط الألف من يضاعف مع تشديد العين ابن كثير وابن عامر فالجزم على أنهما بدلان من يلق بدل اشتمال ، والرفع على الاستئناف ، السابع : التصريح بقوله تعالى : { مهاناً } فلما أعظم الأمر من هذه الأوجه علم أن كلاً من هذه الذنوب كبير ، وإذا كان الأعم كبيراً كان الأخص المذكور أعظم من مطلق الأعم ؛ لأنه زاد عليه بما صار به خاصاً فثبت بهذا أنها كبائر وإن قتل الولد والزنا بحليلة الجار أكبر ما ذكر فوجد تصديق الآية للخبر .

وقرأ حفص مع ابن كثير بصلة الهاء بالياء من فيه قبل مهاناً ، فإن قيل : ذكر أن من صفات عباد الرحمان صفات حسنة فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل والزنا فلو كان الترتيب بالعكس كان أولى ؟ أجيب : بأن الموصوف بتلك الصفات السابقة قد يكون متمسكاً بالشرك تديناً وبقتل الموؤدة تديناً وبالزنا تديناً فبين تعالى أن المراد لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمان حتى يجتنب تلك الكبائر ، وأجاب الحسن بأن المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار كأنه قال تعالى : وعباد الرحمان الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ، وأنتم تدعون ولا يقتلون وأنتم تقتلون الموؤدة ولا يزنون وأنتم تزنون .