السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ} (45)

{ وتراهم } أي : في ذلك اليوم والضمير في قوله تعالى : { يعرضون عليها } يعود على النار لدلالة العذاب عليها . ثم ذكر حالهم عند عرضهم على النار بقوله تعالى : { خاشعين } أي : خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم { من الذل } لأنهم عرفوا إذ ذاك ذنوبهم وانكشفت لهم عظمة من عصوه { ينظرون } أي : يبتدئ نظرهم المكرر { من طرف } أي : تحريك الأجفان { خفي } أي : ضعيف النظر يسارقون النظر إلى النار خوفاً منها وذلة في أنفسهم كما ينظر المقتول إلى السيف فلا يقدر أن يملأ عينه منه ولا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها ، ويصح أن تكون من بمعنى الباء أي : بطرف خفي ضعيف من الذل ، فإن قيل : قد قال الله تعالى في صفة الكفار أنهم يحشرون عمياً فكيف قال تعالى هنا : { إنهم ينظرون من طرف خفي } ؟ أجيب : بأنهم يكونون في الابتداء هكذا ثم يصيرون عمياً أو أن هذا في قوم وذاك في قوم آخرين ، وقيل : ينظرون إلى النار بقلوبهم والنظر بالقلب خفي .

ولما وصف تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال تعالى : { وقال } أي : في ذلك الموقف الأعظم على سبيل التعيير لهم والتبكيت والتوبيخ والتقريع { الذين آمنوا } أي : أوقعوا هذه الحقيقة سواء كان إيقاعهم لها في أدنى الرتب أو أعلاها { إن الخاسرين } أي : الذين كملت خسارتهم { الذين خسروا أنفسهم } بما استغرقها من العذاب { وأهليهم } بمفارقتهم لهم ، أما في إطباق العذاب إن كانوا مثلهم في الخسران أو في دار الثواب إن كانوا من أهل الإيمان { يوم القيامة } أي : هو يوم فوت التدارك لأنه للجزاء لا للعمل لفوات شرطه بفوات الإيمان بالغيب لانكشاف الغطاء ، وهذا القول يحتمل أن يكون واقعاً في الدنيا أو يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة وقوله تعالى : { ألا إن الظالمين } أي : الراسخين في هذا الوصف { في عذاب مقيم } أي : دائم يحتمل أن يكون من تمام كلام المؤمنين وأن يكون تصديقاً من الله تعالى لهم .