السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ فَلَا يَسۡتَعۡجِلُونِ} (59)

ولما أقسم سبحانه على الصدق في وعيدهم إلى أن ختم بقوته التي لا حدّ لها سبب عن ذلك إيقاعه بالمتوعدين فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم : { فإن للذين ظلموا } أي : أوقعوا الأشياء في غير مواقعها { ذنوباً } أي : نصيباً من العذاب طويل الشرّ كأنه من طوله صاحب ذنب { مثل ذنوب أصحابهم } أي : الذين تقدّم ظلمهم بتكذيب الرسل من قوم نوح وعاد وثمود ، والذنوب في الأصل الدلو العظيمة المملوءة ماء وفي الحديث «فأتى بذنوب من ماء » فإن لم تكن ملأى فهي دلو ثم عبر به عن النصيب قال عمرو بن شاس :

وفي كل حيّ قد خطبت بنعمة *** فحق لشاس من نداك ذنوب

قال الملك : نعم وأذنبه ، قال الزمخشري : وهذا تمثيل أصله في السقاة يتقسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا آخر . قال الشاعر :

لكم ذنوب ولنا ذنوب *** فإن أبيتم فلنا القليب

وقال الراغب الذنوب الدلو لذي له ذنب انتهى .

فراعى الاشتقاق والذنوب أيضاً : الفرس الطويل الذنب ، وهو صفة على فعول والذنوب لحم أسفل المتن ويقال : يوم ذنوب أي طويل الشرّ استعارة من ذلك ويجمع في القلة على أذنبة وفي الكثرة على ذنائب { فلا تستعجلون } أي تطلبوا أن آتيكم به قبل أوانه حق به ، فإنّ ذلك لا يفعله إلا ناقص وأنا متعال عن ذلك لا أخاف الفوت ولا يلحقني عجز ولا أوصف به ، ولا بدّ أن أوقعه بهم في الوقت الذي قضيت به في الأزل فإنه أحق الأوقات بعقابهم لتكامل ذنوبهم .