السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ} (9)

ولما ذكر الناجين بقسميهم أتبعهم أضدادهم بقوله تعالى : { وأصحاب المشأمة } أي : الشمال وهم الذي يؤتون كتبهم بشمائلهم وقوله تعالى : { ما أصحاب المشأمة } تحقير لشأنه بدخولهم النار ، وقال السدي : { أصحاب الميمنة } هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، { وأصحاب المشأمة } هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، والمشأمة الميسرة وكذا الشامة والعرب تقول لليد الشمال : الشؤمي ، قال البغوي : ومنه سمى الشأم واليمن ، لأنّ اليمن عن يمين الكعبة ، والشام عن شمالها ؛ وقال ابن عباس رضي الله عنهما : { أصحاب الميمنة } هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذرّية من صلبه ، فقال الله تعالى لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ؛ وقال زيد بن أسلم : هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن ؛ وقال ابن جريج : { أصحاب الميمنة } هم أصحاب الحسنات { وأصحاب المشأمة } هم { أصحاب السيئات } .

وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة قال : فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى قال : فقال : مرحباً بالنبيّ الصالح والابن الصالح ، قال : قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : آدم عليه السلام وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار » . وذكر الحديث وقال المبرّد : أصحاب الميمنة : أصحاب التقدّم وأصحاب المشأمة : أصحاب التأخر والعرب تقول اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك ، أي : اجعلني من المتقدّمين ، ولا تجعلني من المتأخرين .

تنبيه : الفاء في قوله تعالى : { فأصحاب } تدل على التقسيم وبيان ما ورد عليه التقسيم ، كأنه قال : أزواجاً ثلاثة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون ، ثم بين حال كل قسم فقال : فأما أصحاب الميمنة وترك التقسيم أولاً واكتفى بما يدل عليه بأنّ ذكر الأقسام الثلاثة مع أحوالها ، فإن قيل : ما الحكمة في اختيار لفظ المشأمة في مقابلة الميمنة مع أنه قال في بيان أحوالهم : وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ؟ أجيب : بأنّ اليمين وضع للجانب المعروف ، واستعملوا منه ألفاظاً في مواضع ، فقالوا : هذا ميمون تيمناً به ، ووضعوا مقابلة اليمين اليسار من الشيء اليسير إشارة إلى ضعفه ، واستعملوا منه ألفاظاً تشاؤماً به فذكر المشأمة في مقابلة الميمنة ، وذكر الشمال في مقابلة اليمين ، فاستعمل كل لفظ مع مقابلة .