{ لقد نصركم الله } النصرة المعونة على الأعداء بإظهار المسلمين عليهم { في مواطن } أي : أماكن للحرب { كثيرة } كبدر وقريظة والنضير ، والمراد بذلك غزواته صلى الله عليه وسلم وسراياه وبعوثه ، وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم تسع عشرة غزوة زاد بريدة في حديثه قاتل في ثمان منها ، وأمّا جميع غزواته وسراياه وبعوثه فقيل : سبعون ، وقيل : ثمانون { ويوم } أي : واذكر يوم { حنين } وهو واد بين مكة والطائف أي : يوم قتالكم فيه هوازن وقوله تعالى : { إذ أعجبتكم كثرتكم } بدل من يوم حنين ، وكانت قصة حنين على ما نقله الرواة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وقد بقي من شهر رمضان أيام ، وخرج متوجهاً إلى حنين لقتال هوازن وثقيف ، واختلفوا في عدد عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا ستة عشر ألفاً . وقال الكلبيّ : كانوا عشرة آلاف ، وقال قتادة : كانوا اثني عشر ألفاً ، عشرة آلاف الذين حضروا فتح مكة ، وألفان انضموا إليهم من الطلقاء ، وهم الأسراء الذين أخذوا يوم فتح مكة وأطلقوا ، وبالجملة كانوا عدداً كثيراً ، وكان هوازن وثقيف أربعة آلاف ، فلما التقوا قال رجل من المسلمين : لن نغلب اليوم من قلة إعجاباً بكثرتهم ، فساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه ، ووكلوا إلى كلمة الرجل . وقيل : قائلها أبو بكر رضي الله عنه ، وقيل : رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا القول بعيد جداً ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان في أحواله كلها متوكلاً على الله تعالى منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها ثم اقتتلوا قتالاً شديداً ، فانهزم المشركون وتخلوا عن الذراري ثم تنادوا : يا حماة السوادة اذكروا الفضائل فتراجعوا وانكشف المسلمون حتى بلغ منهزمهم مكة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذاً بلجام بغلته ، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث وناهيك بهذا شهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على تناهي شجاعته قال البراء بن عازب : كانت هوازن رماة فلما حملنا عليهم انكشفوا وأكببنا على الغنائم واستقبلونا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا العباس وأبو سفيان ، قال البراء : والذي لا إله إلا هو ما ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم دبره قط قد رأيته وأبو سفيان آخذ بالركاب والعباس أخذ بلجام الدابة وهو يقول :
أنا النبيّ لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
فطفق يركض بغلته نحو الكفار لا يولي ثم قال للعباس : ( وكان صيتاً صح يا عباس ) فنادى : ( يا عباد الله يا أصحاب الشجرة ) وهم أصحاب بيعة الرضوان المذكورون في قوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } ( الفتح ، 18 ) يا أصحاب سورة البقرة قال الطيبي وهم المذكورون في قوله تعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون } ( البقرة ، 285 ) وقيل : الذين أنزلت عليهم سورة البقرة فرجعوا جماعة واحدة يقولون : لبيك لبيك ونزلت الملائكة فالتقوا مع المشركين فقال عليه الصلاة والسلام : «هذا حين حمي الوطيس » أي : اشتدّ الحرب ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاً من تراب فرماهم ثم قال : «انهزموا ورب الكعبة » فانهزموا .
وروي أنه صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم أخذ قبضة من تراب الأرض ، ثم استقبل بها وجوههم ، ثم قال : «شاهت الوجوه » . قالت سلمة بن الأكوع : فما خلق الله تعالى منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة ، فولوا مدبرين فهزمهم الله تعالى . { فلم تغن } أي : الكثرة . { عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } أي : برحبها أي : بسعتها لا تجدون فيها مقراً تطمئن إليه نفوسكم من شدّة الرعب ، ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه . { ثم وليتم مدبرين } أي : الكفار ظهوركم مدبرين أي : منهزمين ، والإدبار الذهاب إلى خلف خلاف الإقبال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.