إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (65)

{ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } تسليةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من جهتهم من الأذية الناشئةِ عن مقالاتهم الموحشةِ وتبشيرٌ له عليه الصلاة والسلام بأنه عز وجل ينصُره ويُعزّه عليهم ، إثرَ بيانِ أن له ولأتباعه أمْناً من كل محذورٍ وفوزاً بكل مطلوبٍ ، وقرىء ولا يُحْزِنك من أحزنه وهو في الحقيقة نهيٌ له عليه السلام عن الحزن كأنه قيل : لا تحزنْ بقولهم ولا تُبالِ بتكذيبهم وتشاورِهم في تدبير هلاكِك وإبطالِ أمرِك وسائرِ ما يتفوهون به في شأنك مما لا خيرَ فيه ، وإنما وُجِّه النهيُ إلى قولهم للمبالغة في نهيه عليه السلام عن الحزن لما أن النهيَ عن التأثير نهيٌ عن التأثر بأصله ونفيٌ له بالمرة وقد يوجّه النهيُ إلى اللازم والمرادُ هو النهيُ عن الملزوم كما في قولك : لا أُرَيَّنك هاهنا ، وتخصيصُ النهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابقِ للحزن أيضاً لما أنه لم يكن فيه عليه السلام شائبةُ خوفٍ حتى ينهى عنه وربما كان يعنى به عليه السلام في بعض الأوقاتِ نوعُ حزنٍ فسُلِّيَ عن ذلك ، وقوله تعالى : { إِنَّ العزة } تعليلٌ للنهي على طريقة الاستئنافِ أي الغلبةَ والقهرَ { للَّهِ جَمِيعاً } أي في ملكته وسلطانِه لا يملك أحدٌ شيئاً منها أصلاً لا هم ولا غيرُهم فهو يقهرُهم ويعصِمُك منهم وينصُرك عليهم وقد كان كذلك فهي من جملة المبشرات العاجلة ، وقرىء بفتح ( أن ) على صريح التعليلِ أي لأن العزة لله { هُوَ السميع العليم } يسمع ما يقولون في حقك ويعلم ما يعزمون عليه وهو مكافِئُهم بذلك .