البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (65)

إما أن يكون قولهم أريد به بعض أفراده وهو التكذيب والتهديد وما يتشاورون به في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون من إطلاق العام وأريد به الخاص .

وإما أن يكون مما حذفت منه الصفة المخصصة أي : قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك ، ثم استأنف بقوله : إنّ العزة لله جميعاً أي : لا عزة لهم ولا منعة ، فهم لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك ، إن الغلبة والقهر لله ، وهو القادر على الانتقام منهم ، فلا يعازه شيء ولا يغالبه .

وكأنّ قائلاً قال : لم لا يحزنه قولهم وهو مما يحزن ؟ فقيل : إنّ العزة لله جميعاً ، ليس لهم منها شيء .

وقرأ أبو حيوة : أنّ العزة بفتح الهمزة وليس معمولاً لقولهم : لأن ذلك لا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ هو قول حق .

وخرجت هذه القراءة على التعليل أي : لا يقع منك حزن لما يقولون ، لأجل أنّ العزة لله جميعاً .

ووجهت أيضاً على أن يكون إنّ العزة بدل من قولهم ولا يظهر هذا التوجيه .

قال الزمخشري : ومن جعله بدلاً من قولهم ثم أنكره ، فالمنكر هو تخريجه لا ما أنكره من القرآن .

وقال القاضي : فتحها شاذ يقارب الكفر ، وإذا كسرت كان استئنافاً ، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب .

وقال ابن قتيبة : لا يجوز فتح إن في هذا الموضع وهو كفر وغلو ، وإنما قال القاضي وابن قتيبة بناء منهما على أن معمولة لقولهم ، وقد ذكرنا توجيه ذلك على التعليل وهو توجيه صحيح .

هو السميع لما يقولون ، العليم لما يريدون .

وفي هذه الآية تأمين للرسول صلى الله عليه وسلم من اضرار الكفار ، وأن الله تعالى يديله عليهم وينصره .

{ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } { إنا لننصر رسلنا } وقال الأصم : كانوا يتعززون بكثرة خدمهم وأموالهم ، فأخبر أنه قادر على أن يسلب منهم ملك الأشياء ، وأن ينصرك وينقل إليك أموالهم وديارهم انتهى .

ولا تضاد بين قوله : إن العزة لله جميعاً ، وقوله : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } لأن عزتهم إنما هي بالله ، فهي كلها لله .