السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (65)

{ ولا يحزنك } يا محمد { قولهم } أي : هؤلاء المشركين ، أي : لا يغمك تكذيبهم وتهديدهم وتشويرهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك ، وسائر ما يتكلمون به في شأنك . وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي من أحزنه ، والباقون بفتح الياء وضم الزاي وكلاهما بمعنى . وقوله تعالى : { إن العزة } أي : القوة { لله جميعاً } استئناف بمعنى التعليل ، كأنه قيل : ما لي لا أحزن فقيل إن العزة لله جميعاً ، ، أي : أنّ الغلبة والقهر في مملكة الله لله جميعاً ، لا يملك أحد شيئاً منها لا هم ولا غيرهم ، فهو يغلبهم وينصرك عليهم . قال تعالى : { كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي } [ المجادلة ، 21 ] . وقال تعالى : { إنا لننصر رسلنا } [ غافر ، 51 ] . وقيل : إنّ المشركين كانوا يتعززون بكثرة أموالهم وأولادهم وعبيدهم ، فأخبر الله تعالى أنَّ جميع ذلك في ملكه فهو قادر على أن يسلب جميع ذلك ويذلهم بعد العز { هو السميع } أي : البليغ السمع لأقوالهم { العليم } أي : المحيط العلم بضمائرهم وجميع أحوالهم فهو البالغ القدرة على كل شيء فيجازيهم ، وهو تعليل لتفرّده بالعزة ؛ لأنه تفرّد بهذين الوصفين فانتفيا عن غيره ، ومن انتفيا عنه كان دون الحيوانات العجم فأنى يكون له عزة ؟ فإن قيل : قوله تعالى : { إنّ العزة لله جميعاً } يضادّ قوله تعالى : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [ المنافقون ، 8 ] أجيب : بالمنع لأنّ عزة الرسول والمؤمنين كلها بالله فهي لله .