إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (28)

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } نصب بإضمار اذكر ، وتذكير الوقت لما مر مراراً من أنه أدخل في تذكير ما وقع فيه من الحوادث ، وفي التعرض لوصف الربوبية المنبئة عن تبليغ الشيء إلى كماله اللائق به شيئاً فشيئاً مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام إشعار بعلة الحكم وتشريف له عليه الصلاة والسلام ، أي اذكر وقت قوله تعالى { للملائكة إِنِّي خَالِقٌ } فيما سيأتي ، وفيه ما ليس في صيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل له البتة من غير صارف يثنيه ولا عاطف يلويه { بَشَراً } أي إنسانا ، قيل : ليس هذا عين العبارة الجارية وقت الخطاب ، بل الظاهر أن يكون قد قيل لهم : إني خالق خلقاً من صفته كيت وكيت ، ولكن اقتصر عند الحكاية على الاسم ، وقيل : حسماً كثيفاً يلاقي ويباشر ، وقيل : خلقاً بادي البشر بلا صوف ولا شعرة { مِّن صَلْصَالٍ } متعلق بخالق أو بمحذوف وقع صفة لمفعوله أي بشراً كائناً من صلصال كائن { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } تقدم تفسيره ، ولا ينافي هذا ما في قوله تعالى في سورة ص من قوله : { بشراً من طين } فإن عدم التعرض عند الحكاية لوصف الطين من التغير والاسوداد ولما ورد عليه من آثار التكوين ، لا يستلزم عدم التعرض لذلك عند وقوع المحكي ، غايته أنه لم يتعرض له هناك اكتفاء بما شرح هاهنا .