إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

{ وَأَرْسَلْنَا الرياح } عطفٌ على جعلنا لكم فيها معايشَ ، وما بينها اعتراضٌ لتحقيق ما سبق وترشيحِ ما لحِق أي أرسلنا الرياح { لَوَاقِحَ } أي حواملَ ، شُبّهت الريحُ التي تجيء بالخير من إنشاء سحابٍ ماطرٍ بالحامل كما شُبّه بالعقيم ما لا يكون كذلك ، أو ملقِّحاتٍ بالشجر والسحابِ ، ونظيره الطوائحُ بمعنى المُطيحات في قوله : [ الطويل ]

[ ليبك يزيد ضارع لخصومه ] *** ومختبطٍ مما تُطيح الطوائحُ{[475]}

أي المهلِكات ، وقرئ وأرسلنا الريحَ على إرادة الجنس { فَأَنزَلْنَا مِنَ السماء } بعد ما أنشأنا بتلك الرياحِ سحاباً ماطراً { مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلناه لكم سُقياً وهو أبلغُ من سقيناكموه ، لما فيه من الدِلالة على جعل الماءِ معداً لهم ينتفعون به متى شاءوا { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين } نفى عنهم ما أثبته لجنابه بقوله : { وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } كأنه قيل : نحن القادرون على إيجاده وخزْنِه في السحاب وإنزاله وما أنتم على ذلك بقادرين ، وقيل : ما أنتم بخازنين له بعدما أنزلناه في الغُدران والآبارِ والعيون ، بل نحن نخزنُه فيها لنجعلَها سقياً لكم مع أن طبيعةَ الماء تقتضي الغَوْر .


[475]:البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب 1/303، وشرح شواهد الإيضاح ص 94؛ وشرح المفصل 1/80؛ والكتاب 1/288؛ وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص 362؛ ولنشهل بن حري في خزانة الأدب 1/303؛ ولضرار بن نهشل في الدرر 2/286؛ ومعاهد التنصيص 1/202؛ وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه 1/110؛ ولنهشل أو للحارث أو لضرار أو لمزرد بن ضرار أو للمهلهل في المقاصد النحوية 2/454.