{ ضَرَبَ الله مَثَلاً } ، أي : ذكر وأورد شيئاً يُستدل به على تباين الحالِ بين جنابه عز وجل وبين ما أشركوا به ، وعلى تباعدهما بحيث ينادى بفساد ما ارتكبوه نداء جلياً ، { عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيء } ، بدلٌ من مثلاً وتفسيرٌ له ، والمثَلُ في الحقيقة حالتُه العارضة له من المملوكية والعجزِ التامّ ، وبحسَبها ضربُ نفسِه مثلاً ، ووصفُ العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر ؛ لاشتراكهما في كونهما عبدين لله سبحانه ، وقد أُدمج فيه أن الكل عبيدٌ له تعالى ، وبعدم القدرة لتمييزه عن المكاتَب والمأذون ، اللَّذين لهما التصرّف في الجملة ، وفي إبهام المثلِ أولاً ثم بيانِه بما ذكر ، ما لا يخفى من الفخامة والجزالة ، { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } ، " مَنْ " ، موصوفةٌ معطوفة على عبداً أي : رزقناه بطريق المُلك ، والالتفاتُ إلى التكلم ؛ للإشعار باختلاف حالَيْ ضرب المثل والرزق ، { مِنَّا } ، من جنابنا الكبير المتعالي ، { رِزْقًا حَسَنًا } ، حلالاً طيباً أو مستحسَناً عند الناس مرضياً ، { فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ } ، تفضّلاً وإحساناً ، والفاءُ لترتيب الإنفاق على الرزق ، كأنه قيل : ومَنْ رزقناه منا رزقاً حسناً فأنفق ، وإيثارُ ما عليه النظم الكريم من الجملة الاسميةِ الفعليةِ الخبر ؛ للدلالة على ثبات الإنفاقِ واستمرارِه التجدديّ ، { سِرّا وَجَهْرًا } ، أي : حالَ السر والجهر ، أو إنفاقَ سر وإنفاقَ جهر ، والمرادُ : بيانُ عمومِ إنفاقِه للأوقات ، وشمولِ إنعامه لمن يجتنب عن قبوله جهراً ، والإشارةُ إلى أصناف نعمِ الله تعالى الباطنةِ والظاهرةِ ، وتقديمُ السر على الجهر للإيذان بفضله عليه ، والعدولُ عن تطبيق القرينيتن ، بأن يقال : وحرًّا مالكاً للأموال ، مع كونه أدلَّ على تباين الحالِ بينه وبين قسميه ؛ لتوخّي تحقيقِ الحقِّ بأن الأحرارَ أيضاً تحت ربقة عبوديتِه سبحانه وتعالى ، وأن مالكيتَهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزُقَهم الله تعالى إياه ، من غير أن يكون لهم مدخلٌ في ذلك ، مع محاولة المبالغة في الدِلالة على ما قُصد بالمثل ، من تباين الحالِ بين الممثَّلين : فإن العبدَ المملوك حيث لم يكن مثلَ العبد المالكِ ، فما ظنُّك بالجماد ومالكِ المُلك خلاّق العالمين ! ! ! .
{ هَلْ يَسْتَوُونَ } ، جمعُ الضمير ؛ للإيذان بأن المرادَ بما ذكر : مَن اتصف بالأوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين ، لا فردان معينان منهما ، أي : يستوي العبيد والأحرار الموصوفون بما ذكر من الصفات ، مع أن الفريقين سيانِ في البشرية والمخلوقية لله سبحانه ، وأن ما ينفقه الأحرارُ ليس مما لهم دخلٌ في إيجاده ولا في تملكه ، بل هو مما أعطاه الله تعالى إياهم ، فحيث لم يستوِ الفريقان ، فما ظنُّكم برب العالمين حيث تشركون به ما لا ذليلَ أذلُّ منه ، وهو : الأصنام ، { الحمد للَّهِ } ، أي : كلُّه له ؛ لأنه مولى جميع النعم لا يستحقه أحدٌ غيرُه ، وإن ظهرت على أيدي بعض الوسايط فضلاً عن استحقاق العبادة ، وفيه إرشادٌ إلى ما هو الحقُّ من أنّ ما يظهر على يد مَنْ ينفق مما ذكر ، راجعٌ إليه سبحانه كما لوح به قوله تعالى : { رَّزَقْنَاهُ } ، { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ما ذكر فيُضيفون نعمَه تعالى إلى غيره ، ويعبدونه لأجلها ، ونفيُ العلم عن أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلمون ذلك ، وإنما لا يعملون بموجبه عناداً كقوله تعالى : { يَعْرِفُونَ نِعْمَة الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.