إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كُلّٗا نُّمِدُّ هَـٰٓؤُلَآءِ وَهَـٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا} (20)

{ كَلاَّ } التنوين عوضٌ عن المضاف إليه أي كلَّ واحد من الفريقين لا الفريقِ الأخير المريد للخير الحقيقِ بالإسعاف فقط { نُّمِدُّ } أي نزيد مرة بعد مرة بحيث يكون الآنِفُ مدداً للسالف ، وما به الإمدادُ ما عُجّل لأحدهما من العطايا العاجلة وما أعد للآخر من العطايا الآجلةِ المشارِ إليها بمشكورية السعي ، وإنما لم يصرحْ به تعويلاً على ما سبق تصريحاً وتلويحاً واتكالاً على ما لحِق عبارةً وإشارة كما ستقف عليه ، وقوله تعالى : { هَؤُلاء } بدل من كلاًّ { وَهَؤُلاء } عطف عليه أي نُمد هؤلاء المعجَّلَ لهم وهؤلاءِ المشكورَ سعيُهم ، فإن الإشارةَ متعرّضةٌ لذات المشارِ إليه بما له من العنوان لا للذات فقط كالإضمار ، ففيه تذكيرٌ لما به الإمدادُ وتعيينٌ للمضاف إليه المحذوفِ دفعاً لتوهّم كونِه أفرادَ الفريقِ الأخير ، وتأكيدٌ للقصر المستفادِ من تقديم المفعول وقوله تعالى : { مِنْ عَطَاء رَبّكَ } أي من العطاء الواسعِ الذي لا تناهيَ له متعلقٌ بنُمد ، ومغْنٍ عن ذكر ما به الإمدادُ ومنبِّهٌ على أن الإمدادَ المذكورَ ليس بطريق الاستيجابِ بالسعي والعمل بل بمحض التفضل { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ } أي دنيوياً كان أو أخروياً ، وإنما أُظهر إظهاراً لمزيد الاعتناءِ بشأنه وإشعاراً بعلّيته للحكم { مَحْظُورًا } ممنوعاً ممن يريده بل هو فائضٌ على مَن قُدّر له بموجب المشيئةِ المبنيةِ على الحكمة وإن وُجد منه ما يقتضي الحظرَ كالكافر وهو في معنى التعليل لشمول الإمداد للفريقين ، والتعرضُ لعنوان الربوبية في الموضعين للإشعار بمبدئيتها لما ذُكر من الإمداد وعدم الحظر .