إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ} (34)

{ وَلِكُلّ أُمَّةٍ } أي لكلِّ أهلِ دينٍ { جَعَلْنَا مَنسَكًا } أي مُتعبَّداً وقُرباناً يتقرَّبون به إلى الله عزَّ وجلَّ . وقُرئ بكسر السِّين أي موضعُ نُسُكٍ . وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الفعل للتَّخصيص أي لكلِّ أُمَّةٍ من الأُممِ جعلنا منسكاً لا لبعضٍ دونَ بعضٍ . { لّيَذْكُرُواْ اسم الله } خاصَّةً دون غيرِه ويجعلُوا نسيكتهم لوجهه الكريمِ عُلِّل الجعلُ به تنبيهاً على أنَّ المقصودَ الأصليَّ من المناسكِ تذكُّرُ المعبودِ . { على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام } عند ذبحِها ، وفيه تنبيهٌ على أنَّ القُربان يجبُ أنْ يكونَ من الأنعام . والخطابُ في قوله تعالى : { فإلهكم إله واحد } للكلِّ تغليباً . والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلَها فإنَّ جعلَه تعالى لكلِّ أُمَّةٍ من الأُمم مَنْسكاً ممَّا يدلُّ على وحدانيَّته تعالى . وإنَّما قيل إله واحدٌ ولم يُقل واحدٌ لما أنَّ المرادَ بيانُ أنَّه تعالى واحدُ في ذاتهِ كما أنَّه واحدٌ في إلهيته للكلِّ . والفاءُ في قوله تعالى : { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } لترتيب ما بعدها من الأمر بالإسلام على وحدانيَّتهِ تعالى ، وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الأمر للقصر ، أي فإذا كان إلهكم إلها واحداً فأخلصوا له التَّقرُّبَ أو الذِّكرَ واجعلُوه لوجههِ خاصَّةً ولا تشوبُوه بالشِّرك { وَبَشّرِ المخبتين } تجريدٌ للخطاب إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي المُتواضعينَ أو المُخلِصين فإنَّ الإخباتَ من الوظائف الخاصَّةِ بهم .