إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

{ والبدن } بضمِّ الباءِ وسكون الدَّالِ . وقُرئ بضمِّها . وهُما جَمْعا بَدَنةٍ ، وقيل الأصلُ ضمُّ الدَّالِ كخُشُبٍ وخَشَبةٍ والتَّسكينُ تخفيفٌ منه . وقُرئ بتشديدِ النُّونِ على لفظِ الوقفِ . وإنَّما سُمِّيتْ بها الإبلُ لعظمِ بَدَنِها ، مأخوذةٌ من بَدُنَ بَدَانةً وحيثُ شاركها البقرةُ في الإجزاءِ عن سبعةٍ بقوله صلى الله عليه وسلم : « البُدْنةُ عن سبعةٍ والبقرةُ عن سبعةٍ »{[553]} جُعلا في الشَّريعةِ جنساً واحداً . وانتصابُه بمضمرٍ يفسِّرهُ : { جعلناها لَكُمْ } وقُرئ بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ والجملةُ خبرُهُ . وقولُه تعالى : { مِن شَعَائِرِ الله } أي من أعلامِ دينهِ التي شرعها اللَّهُ تعالى . مفعولٌ ثانٍ للجعل . ولكُم ظرفُ لغوٍ متعلِّقٌ به . وقولُه تعالى : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } أي منافعُ دينيَّةٌ ودنيويَّةٌ . جملة مستأنفةٌ مقرِّرةٌ لما قبلها .

{ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا } بأنْ تقولُوا عند ذبحِها اللَّهُ أكبرُ لا إله إلاَّ اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ اللهمَّ منكَ وإليكَ { صَوَافَّ } أي قائماتٍ قد صففنَ أيديهنَّ وأرجلهنَّ . وقُرئ صَوَافنَ من صَفن الفرسُ إذا قام على ثلاثٍ وعلى طرفِ سُنْبكِ الرَّابعةِ لأنَّ البدنةَ تُعقل إحدى يديها فتقومُ على ثلاثٍ . وقُرئ صَوَافِنا بإبدالِ التَّنوينِ من حرفِ الإطلاقِ عند الوقفِ . وقُرئ صَوَافى أي خَوَالصَ لوجهِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ . وصَوَافْ على لغة مَن يُسكِّنُ الياءَ على الإطلاق كما في قوله :

لعلِّي أرى باقْ على الحدئانِ *** . . . . . . . .

{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } سقطتْ على الأرضِ وهو كنايةٌ عن الموت { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع } الرَّاضيَ بما عنده من غير مسألةٍ ، ويؤيِّدهُ أنَّه قُرئ القنع . أو السَّائلَ من قَنع إليه قُنوعاً إذا خضعَ له في السُّؤالِ { والمعتر } أي المتعرِّضَ للسُّؤالِ . وقُرئ المُعتري يقال عَرّهُ وعَرَاهُ واعترَّهُ واعتراهُ { كذلك } مثلَ ذلك التَّسخيرِ البديعِ المفهوم من قوله تعالى : { سخرناها لَكُمْ } مع كمالِ عظمِها ونهايةِ قوَّتِها فلا تستعصي عليكم حتَّى تأخذوها منقادةً فتعقِلونها وتحبسونها صافَّة قوائمها ثم تطعنونَ في لبَّاتِها { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لتشكرُوا إنعامَنا عليكم بالتَّقرُّب والإخلاصِ .


[553]:أخرجه مسلم في الصحيح في كتاب الحج حديث (350) وأبو داود في السنن في كتاب الأضاحي باب 6 والترمذي في جامعه في كتاب الحج باب 66 وكتاب الأضاحي باب 8 وابن ماجه في السنن في كتاب الأضاحي باب 5 وابن مالك في الموطأ، كتاب الضحايا حديث 9 وأحمد في مسنده 3/294.