إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض } حثٌّ لهم أن يُسافروا ليرَوا مصارع المهلَكين فيعتبروا وهمُ وإنْ كانُوا قد سافروا فيها ولكنَّهم حيث لم يُسافروا للاعتبارِ جُعلوا غيرَ مسافرين فحثُّوا على ذلك . والفاءُ لعطفِ ما بعدها على مقدَّرٍ يقتضيه أي أغفِلُوا فلم يسيروا فيها { فَتَكُونَ لَهُمْ } بسبب ما شاهدُوه من موادِّ الاعتبار ومظانِّ الاستبصار { قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } يجب أنْ يُعقل من التَّوحيدِ { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } ما يجبُ أنْ يُسمع من الوحيِ أو من أخبارِ الأُممِ المُهلَكة ممَّن يُجاورهم من النَّاسِ فإنَّهم أعرف منهم بحالِهم { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار } الضَّميرُ للقصَّةِ أو مبهمٌ يفسِّرُه الأبصارُ . وفي تعمى ضمير راجعٌ إليه وقد أقيم الظَّاهرُ مُقامَه { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } أي ليس الخللُ في مشاعرِهم وإنَّما هو في عقولِهم باتِّباع الهَوَى والانهماكِ في الغَفْلةِ . وذكر الصُّدورِ للتَّأكيدِ ونفيِ تَوهُّمِ التَّجوزِ وفضل التَّنبيه على أنَّ العَمَى الحقيقيَّ ليس المتعارف الذي يختصُّ بالبصر ، قيل : لمَّا نزل قوله تعالى : { وَمَن كَانَ في هذه أعمى } قال ابنُ أُمِّ مكتومٍ : يا رسولَ الله ، أنا في الدُّنيا أعمى أفأكونُ في الآخرةِ أعمى ؟ .