إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

وقولُه تعالى : { الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم } في حيِّز الجرِّ على أنَّه صفةٌ للموصولِ الأوَّلِ أو بيانٌ له أو بدلٌ منه أو في محلِّ النَّصبِ على المدحِ أو في محلِّ الرَّفعِ بإضمارِ مبتدأ والجملةُ مرفوعةً على المدح والمرادُ بديارِهم مكَّةُ المعظَّمةُ { بِغَيْرِ حَقّ } متعلِّقٌ بأُخرجوا أي أُخرجوا بغير ما يُوجب إخراجَهم وقوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله } بدلٌ من حقَ أي بغير موجبٍ سوى التَّوحيدِ الذي ينبغي أنْ يكون مُوجباً للإقرارِ والتَّمكينِ دون الإخراجِ والتَّسيير لكن لا على الظَّاهر بل على طريقة قولِ النَّابغةِ : [ الطويل ]

ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم *** بهنَّ فلولٌ من قراعِ الكتائبِ{[554]}

وقيل الاستثناءُ منقطعٌ . { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } بتسليطِ المؤمنين على الكافرين في كلِّ عصرٍ وزمانٍ . وقُرئ دِفاعُ { لَّهُدّمَتْ } لخُرِّبتْ باستيلاء المشركينَ على أهلِ الملل . وقُرئ هُدِمت بالتَّخفيفِ { صوامع } للرَّهابنةِ { وَبِيَعٌ } للنَّصارى { وصلوات } أي وكنائسُ لليهودِ سُمِّيتْ بها لأنَّها يُصلَّى فيها وقيل أصلها صلوتا بالعبريَّةِ فعُرِّبتْ { ومساجد } للمسلمين { يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً } أي ذكراً كثيراً أو وقتاً ، صفةٌ مادحة للمساجدِ خُصَّت بها دلالةً على فضلها وفضلِ أهلها وقيل صفةٌ للأربعِ وليس كذلك فإنَّ بيان ذكرِ الله عزَّ وجلَّ في الصَّوامعِ والبيعِ والكنائسِ بعد انتساخِ شرعيَّتها ممَّا لا يقتضيه المقامُ ولا يرتضيه الأفهامُ { وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ } أي وباللَّهِ لينصرنَّ اللَّهُ من ينصر أولياءَهُ أو من ينصر دينَه ولقد أنجز اللَّهُ عزَّ سلطانُه وعدَهُ حيث سلَّطَ المهاجرين والأنصارَ على صناديدِ العربِ وأكاسرةِ العجمِ وقياصرةِ الرُّوم وأورثهم أرضَهم وديارَهم { إِنَّ الله لَقَوِيٌ } على كلِّ ما يُريده من مراداتهِ التي من جُملتها نصرُهم { عَزِيزٌ } لا يُمانعه شيءٌ ولا يُدافعه .


[554]:ورد في ديوان النابغة ص 44، وخزانة الأدب (3/327، 331، 334) والدرر (3/173) وبلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة (ص 267)، ولسان العرب (8/565) (قرع)، (11/530) (فلل) ومغني اللبيب ص 114.