إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتٖۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (5)

{ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله } أي يتوقَّعُ مُلاقاةَ جزائِه ثواباً أو عِقاباً أو مُلاقاةُ حُكمِه يومَ القيامةِ وقيل : يرجُو لقاء الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة وقيل : يرجُو ثوابَه وقيل : يخافُ عقابَه وقيل : لقاؤه تعالى عبارةٌ عن الوصول إلى العاقبةِ من تلقِّي مَلَكِ الموتِ والبعثِ والحسابِ والجزاءِ على تمثيلِ تلك الحالِ بحالِ عبدٍ قدِم على سيِّده بعد عهدٍ طويلٍ ، وقد عَلِم مولاهُ بجميعِ ما كان يأتِي ويذرُ فإمَّا أنْ يلقاه ببشرٍ وكرامةٍ لمَا رضي من أفعالِه أو بضدِّه لما سخَطَه { فَإِنَّ أَجَلَ الله } الأجل عبارةٌ عن غايةِ زمانٍ متمدَ عينت لأمرٍ من الأمورِ وقد يُطلق على كلِّ ذلكَ الزَّمانَ والأولُ هو الأشهرُ في الاستعمالِ أي فإنَّ الوقتَ الذي عيَّنه تعالى لذلكَ { لآتٍ } لا محالةَ من غيرِ صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لأنَّ أجزاءَ الزَّمانِ على التقضِّي والتَّصرُّم دائماً فلابدَّ من إتيان ذلك الجزاءِ أيضاً البتةَ ، وإتيانُ وقتِه موجبٌ لإتيانِ اللِّقاءِ حتماً والجوابُ محذوفٌ أي فليخترْ من الأعمالِ ما يؤدي إلى حُسنِ الثَّوابِ وليحذرْ ما يسوقُه إلى سوءِ العذابِ كما في قوله تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا } [ سورة الكهف ، الآية110 ] وفيه من الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى ، وقيل : فليبادرْ ما يحقق أملَه ويصدِّق رجاءَهُ أو ما يُوجبُ القُربةَ والزُّلفى { وَهُوَ السميع } لأقوالِ العبادِ { العليم } بأحوالِهم من الأعمالِ الظَّاهرةِ والعقائدِ .