إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

{ إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن } أوجبَ عليك تلاوتَه وتبليغَه والعملَ به { لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ } أي معادٍ تمتدُّ إليه أعناقُ الهممِ وترنُو إليه أحداقُ الأممِ وهو المقامُ المحمودُ الذي وعدك أنْ يبعثك فيه ، وقيل هو مكَّةُ المعظَّمةُ على أنَّه تعالى قد وعدَه وهو بمكَّةَ في أذيَّةِ وشدَّة من أهلها أنَّه يُهاجرُ به منها ثم يعيدُه إليها بعزَ ظاهرٍ وسلطانٍ قاهرٍ ، وقيل : نزلتْ عليه حينَ بلغ الجُحْفةَ في مهاجرهِ وقد اشتاق إلى مولده ، ومولدِ آبائِه وحرمِ إبراهيمَ عليه السَّلام فنزلَ جبريلُ عليه السَّلامُ فقال له أتشتاقُ إلى مكَّةَ قال نعمَ فأَوحاها إليهِ { قُل رَّبّي أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى } وما يستحقُّه من الثَّوابِ والنَّصرِ . ومَن منتصبٌ بفعلٍ يدلُّ عليهِ أعلمُ أي يعلُم وقيل : بأعلُم على أنَّه بمعنى عالمٍ . { وَمَنْ هُوَ فِي ضلال مُّبِينٍ } وما استحقَّه من العذابِ والإذلالِ يعني بذلك نفسَه والمشركينَ وهو تقريرٌ للوعيدِ السَّابقِ وكذا قولُه تعالى : { وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب }