إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

{ يا أيها الذين آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بالقسط } مبالِغين في العدْل وإقامةِ القسطِ في جميع الأمورِ مجتهدين في ذلك حقَّ الاجتهاد { شُهَدَاء الله } بالحق تقيمون شهاداتِكم لوجه الله تعالى وهو خبرٌ ثانٍ وقيل : حال { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } أي لو كانت الشهادةُ على أنفسكم بأن تُقِرُّوا عليها على أن الشهادةَ عبارةٌ عن الإخبار بحق الغيرِ سواءٌ كان ذلك عليه أو على ثالث بأن تكونَ الشهادةُ مستتبِعةً لضرر ينالكم من جهة المشهودِ عليه { أَوِ الوالدين والأقربين } أي ولو كانت على والدِيكم وأقاربِكم { إِن يَكُنَّ } أي المشهودُ عليه { غَنِيّاً } يُبتغى في العادة رضاه ويتقى سَخَطُه { أَوْ فَقَيراً } يُترحّم عليه غالباً ، وقرئ إن يكن غنيٌّ أو فقيرٌ على أن كان تامةٌ وجوابُ الشرطِ محذوفٌ لدلالة قوله تعالى : { فالله أولى بِهِمَا } عليه فلا يمتنعوا عنها طلباً لرضا الغِنى أو ترحماً على الفقير فإن الله تعالى أَولى بجنسي الغنيِّ والفقير المدلولِ عليهما بما ذكر ولو أن الشهادةَ عليهما مصلحةٌ لهما لما شرَعها وقرئ أَوْلى بهم { فَلاَ تَتَّبِعُوا الهوى أَن تَعْدِلُوا } أي مخافةَ أن تعدِلوا عن الحق فإن اتباعَ الهوى من مظانِّ الجَوْرِ الذي حقُّه أن يُخافَ ويُحذر ، وقيل : كراهةَ أن تعدِلوا بين الناسِ أو إرادةَ أن تعدِلوا بين الناسِ أو إرادةَ أن تعدِلوا عن الحق { وَإِن تَلْوُوا } أي ألسنتَكم عن شهادة الحقِّ أو حكومةِ العدلُ بأن تأتوا بها لا على وجهها ، وقرئ وإن تلُوا من الولاية والتصدي أي وإن وَلِيتم إقامةَ الشهادة { أَوْ تُعْرِضُوا } أي عن إقامتها رأساً { فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ } مِن لَيِّ الألسنةِ والإعراضِ بالكلية أو من جميعِ الأعمالِ التي من جُملتها ما ذكر { خَبِيراً } فيجازيكم لا محالة على ذلك فهو على القراءة المشهورةِ وعيدٌ محضٌ وعلى القراءة الأخيرةِ متضمِّنٌ للوعيد .