{ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل } شروعٌ في بيان بعضِ الحرماتِ المتعلقةِ بالأموال والأنفسِ إثرَ بيانِ الحرماتِ المتعلقةِ بالأبضاع ، وتصديرُ الخطابِ بالنداء والتنبيهِ لإظهار كمالِ العنايةِ بمضمونه والمرادُ بالباطل ما يخالف الشرعَ كالغصب والسرقةِ والخيانةِ والقِمارِ وعقودِ الربا وغيرُ ذلك مما لا يُبِحْه الشرعُ ، أي لا يأكلْ بعضُكم أموالَ بعض بغير طريقٍ شرعي { إِلاَّ أَن تَكُونَ تجارة عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ } استثناءٌ منقطِعٌ ، وعن متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لتجارةً أي إلا أن تكون التجارةُ تجارةً صادرةً عن تراض كما في قوله : [ الطويل ]
[ بني أسدٍ هل تعلمون بلاءنا ] *** إذا كان يوماً ذا كواكِبَ أشْعَنا{[143]}
أي إذا كان اليومُ يوماً الخ ، أو إلا أن تكون الأموالُ أموالَ تجارة ، وقرئ تجارةٌ بالرفع على أنّ كان تامةٌ أي ولكن اقصِدوا كونَ تجارةً عن تراض أي وقوعَها ، أو ولكن وجودَ تجارةً عن تراض غيرِ منهيٍّ عنه ، وتخصيصُها بالذكر من بين سائرِ أسبابِ المُلكِ لكونها معظَمَها وأغلبَها وقوعاً وأوفقَها لذوي المروءاتِ ، والمرادُ بالتراضي مراضاةُ المتبايعَيْن فيما تعاقدا عليه في حال المبايعةِ وقتَ الإيجابِ والقبولِ عندنا ، وعند الشافعيِّ رحمه الله حالةَ الافتراقِ عن مجلس العقد . { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } أي مَنْ كان من جنسكم من المؤمنين فإن كلَّهم كنفس واحدةٍ ، وعن الحسن : لا تقتُلوا إخوانَكم ، والتعبيرُ عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعلُه عاقلٌ ، أو لا تُهلِكوا أنفسَكم بتعريضها للعقاب باقتراف ما يُفضي إليه فإنه القتلُ الحقيقيُّ كما يُشعِرُ به إيرادُه عَقيبَ النهي عن أكل الحرامِ فيكونُ مقرَّراً للنهي السابقِ ، وقيل : لا تقتلوا أنفسَكم بالبخْع كما يفعله بعضُ الجهلةِ ، أو بارتكاب ما يؤدي إلى القتل من الجنايات ، وقيل : بإلقائها في التهلُكة ، وأُيِّد بما رُوي عن عمْرو بنِ العاص أنه تأوله بالتيمم لخوف البردِ فلم يُنْكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ، وقرئ ولا تُقتِّلوا بالتشديد للتكثير ، وقد جُمع في التوصية بين حفظِ النفسِ وحفظِ المالِ لما أنه شقيقُها من حيث إنه سببٌ لقِوامها وتحصيلِ كمالاتِها واستيفاءِ فضائلِها ، وتقديمُ النهي عن التعرض له لكثرة وقوعِه { إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } تعليل للنهي بطريق الاستئنافِ أي مبالغاً في الرحمة والرأفةِ ، ولذلك نهاكم عما نهاكم عنه ، فإن في ذلك رحمةً عظيمةً لكم بالزجر عن المعاصي وللذين هم في معرِض التعرُّض لهم بحفظ أموالِهم وأنفسِهم ، وقيل : معناه إنه كان بكم يا أمةَ محمدٍ رحيماً حيث أمرَ بني إسرائيلَ بقتلهم أنفسَهم ليكون توبةً لهم وتمحيصاً لخطاياهم ولم يكلِّفْكم تلك التكاليفَ الشاقةَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.