إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا} (31)

{ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } أي كبائرَ الذنوبِ التي نهاكم الشرعُ عنها مما ذكر هاهنا وما لم يُذكرْ ، وقرئ كبيرَ على إرادة الجنسِ { نُكَفّرْ عَنْكُمْ } بنون العظمةِ على طريقة الالتفاتِ ، وقرئ بالياء بالإسنادِ إليه تعالى ، والتكفيرُ إماطةُ المستحَقِّ من العقاب بثوابٍ أُريد أو بتوبة أي نغفِرْ لكم { سَيئَاتِكُمْ } صغائرَكم ونمحُها عنكم ، قال المفسرون : «الصلاةُ إلى الصلاة والجمعةُ إلى الجمعة ورمضانُ إلى رمضانَ مكفِّراتٌ لما بينهن من الصغائر إذا اجتُنِبَت الكبائرُ » . واختلف في الكبائر والأقربُ أن الكبيرةَ كلُّ ذنبٍ رتّب الشارعُ عليه الحدَّ أو صرح بالوعيد فيه ، وقيل : ما عُلم حرمتُه بقاطع ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنها سبعٌ : الإشراكُ بالله تعالى وقتلُ النفسِ التي حرمها الله تعالى وقذفُ المحصناتِ وأكلُ مالِ اليتيمِ والربا والفِرارُ من الزحف وعقوقُ الوالدين . وعن علي رضي الله عنه : التعقيبُ بعد الهجرةِ مكان عقوقِ الوالدين ، وزاد ابنُ عمر رضي الله عنهما : السحرَ واستحلالَ البيتِ الحرامِ ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : الكبائر سبعٌ ، قال : هي إلى سبعمائةٍ أقربُ منها إلى سبع ، وروي عنه إلى سبعين إذْ لا صغيرةَ مع الإصرار ولا كبيرةَ مع الاستغفار ، وقيل : أريد به أنواعُ الشركِ لقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } وقيل : صِغرُ الذنوب [ وكِبَرُها ] بالإضافة إلى ما فوقها وما تحتها وبحسب فاعلِها [ فقط ] بل بحسب الأوقاتِ والأماكنِ أيضاً ، فأكبرُ الكبائرِ الشركُ وأصغرُ الصغائرِ حديثُ النفسِ ، وما بينهما وسائطُ يصدُق عليه الأمران فمن له أمرانِ منهما ودعت نفسُه إليهما بحيث لا يتمالك فكفّها عن أكبرهما كُفّر عنه ما ارتكبه لِما استحق على اجتناب الأكبرِ من الثواب { وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً } بضم الميم اسمُ مكانٍ هو الجنة { كَرِيماً } أي حسَناً مَرْضياً أو مصدرٌ ميميٌّ أي إدخالاً مع كرامةً ، وقرئ بفتح الميم وهو أيضاً يحتمل المكانَ والمصدر ، ونصبُه على الثاني بفعل مقدرٍ مطاوِعٍ للمذكور أي ندخلكم فتدخلون مدخلاً أو دخولاً كريماً كما في قوله : [ الطويل ]

وعضّةُ دهرٍ يا ابنَ مروانَ لم تَدَع *** من المال إلا مُسْحَتٌ أو مُجلّفُ{[144]}

أي لم تدع فلم يبْقَ إلا مسحتٌ الخ .


[144]:ذكر في المعجم المفصّل بلفظ "وعضّ الزمان" محل "وعضّة دهر" وهو للفرزدق في ديوانه 2/26 وجمهرة أشعار العرب ص 880 ولسان العرب 2/41 (سحت)، 9/31 (جلف)، 8/382 (ورع) وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 487 وشرح المفصّل 1/39، 10/103.