إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ وَقَالُواْ } أي لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم عندَ دعوتِه إيَّاهم إلى الإيمان والعملِ بما في القرآن { قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } أي أغطيةٍ متكاثفةٍ { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى آذانِنَا وَقْرٌ } أي صممٌ ، وأصلُه الثقلُ . وقُرِئ بالكسرِ ، وقُرِئ بفتحِ القافِ { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } غليظٌ يمنعنَا عن التواصلِ ، ومنْ للدلالةِ على أن الحجابَ مبتدأٌ من الجانبينِ بحيثُ استوعبَ ما بينهما من المسافةِ المتوسطةِ ولم يبقَ ثمةَ فراغٌ أصلاً وهذه تمثيلاتٌ لنُبوِّ قلوبِهم عنْ إدراك الحقِّ وقبولِه ومجِّ أسماعِهم له كأنَّ بها صمماً وامتناع مواصلتِهم وموافقتِهم للرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ .

{ فاعمل } أي على دينكَ وقيلَ في إبطال أمرنا { إِنَّنَا عاملون } أي على دينِنا ، وقيل في إبطال أمرِك والأولُ هو الأظهرُ فإن قولَه تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ } تلقينٌ للجوابِ عنه أي لستُ منْ جنس مغايرٍ لكم حتى يكونَ بيني وبينكم حجابٌ وتباينٌ مصححٌ لتباين الأعمالِ والأديان ، كما ينبئ عنه قولُكم . { فاعملْ إننَا عاملونَ } [ سورة فصلت ، الآية5 ] بلْ إنما أنا بشرٌ مثلُكم مأمورٌ بما أُمرتم به حيثُ أُخبرْنا جميعاً بالتوحيدِ بخطابِ جامعٍ بيني وبينكم فإن الخطابَ في إلهُكم محكيٌ منتظمٌ لكلِّ لا أنه خطابٌ منه عليه الصلاةُ والسلامُ للكفرةِ كما في مثلُكم ، وقيلَ المعنى لستُ مَلَكاً ولا جِنياً لا يمكنكم التلقّي منه ولا أدعوكم إلى ما تنبُو عنه العقولُ والأسماعُ وإنما أدعوكُم إلى التوحيدِ والاستقامةِ في العملِ ، وقد تدلُّ عليهما دلائلُ العقلِ وشواهدُ النقلِ . وقيلَ المَعْنى إني لستُ بملَكٍ وإنما أنا بشرٌ مثلُكم وقد أُوحي إليّ دونَكُم فصحَّتْ بالوحي إليَّ وأنا بشرٌ نبوتِي وإذا صحَّت نبوتِي وجبَ عليكم اتباعِي ، فتأمل .