{ يا أيها الذين آمنوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي الزموا أمرَ أنفسِكم وإصلاحِها ، وقرئ بالرفع على الابتداء أي واجبة عليكم أنفسُكم ، وقوله عز وجل : { لاَ يَضُرُّكُمْ من ضَلَّ إِذَا اهتديتم } إما مجزومٌ على أنه جوابٌ للأمر ، أو نهْيٌ مؤكِّد له ، وإنما ضُمَّتِ الراء إتباعاً لضمِّه الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة ، إذِ الأصلُ لا يضْرُرْكم ، ويؤيده القراءةُ بفتح الراء ، وقراءةُ مَنْ قرأ ( لا يضِرْكم ) بكسر الضاد وضمها من ضارَه يَضيرُه ، وإما مرفوع على أنه كلامٌ مستأنفٌ في موقع التعليل لما قبله ، ويعضُده قراءةُ من قرأ ( لا يضيرُكم ضلالُ مَنْ ضل إذا كنتم مهتدين ) ولا يُتوهَّمَنَّ أن فيه رخصةً في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع استطاعتهما ، كيف لا ومن جملة الاهتداء أن يُنكَر على المنكَر حسْبما تفي به الطاقة ، قال عليه الصلاة والسلام : «من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره فليغيْره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطِعْ فبقلبه » وقد روي أن الصديقَ رضي الله تعالى عنه قال يوماً على المنبر : «يا أيُّها الناسُ إنَّكُم تَقْرَأونَ هذه الآيةَ وتضعونها غيرَ موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الناس إذا رأَوا منكراً فلم يغيِّروه عمهم الله بعقاب ، فأمُروا بالمعروف وانهَوْا عن المنكر ، ولا تغترّوا بقول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا } الخ . فيقول أحدكم : عليَّ نفسي ، والله لتأمُرنّ بالمعروف وتنهَوُنّ عن المنكر ، أو ليستعمِلن الله عليكم شرارَكم فيسومونكم سوء العذاب ، ثم ليدعُوَنَّ خيارُكم فلا يستجابُ لهم » . وعنه عليه الصلاة والسلام : «ما من قوم عُمل فيهم منكرٌ أو سُن فيهم قبيحٌ فلم يغيِّروه ولم ينكروه إلا وحقٌّ على الله تعالى أن يعُمَّهم بالعقوبة جميعاً ثم لا يستجابُ لهم » ، والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسَّرون على الكفرة ، وكانوا يتمنَّوْن إيمانهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعَوون عنه بالأمر والنهي ، وقيل : كان الرجل إذا أسلم لاموُه وقالوا : سفّهتَ آباءك وضلّلتهم أي نسبتهم إلى السَّفاهة والضلال ، فنزلت تسليةً له بأن ضلال آبائه لا يضرُّه ولا يَشينُه { إِلَى الله } لا إلى أحد سواه { مَرْجِعُكُمْ } رجوعُكم يوم القيامة { جَمِيعاً } بحيث لا يتخلف عنه أحد من المهتدين وغيرِهم { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من أعمال الهداية والضلال ، فهو وعد ووعيد للفريقين ، وتنبيه على أن أحداً لا يؤاخَذُ بعمل غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.