{ إِذْ قَالَ الحواريون } كلام مستأنفٌ مَسوقٌ لبيان بعض ما جرى بينه عليه السلام وبين قومه ، منقطعٌ عما قبله كما ينبئ عنه الإظهارُ في موقع الإضمار و( إذ ) منصوب بمُضمر خوطب به النبي عليه الصلاة والسلام بطريق تلوين الخطاب والالتفات ، لكن لا لأن الخطاب السابقَ لعيسى عليه السلام فإنه ليس بخطاب وإنما هو حكايةُ خطاب ، بل لأن الخطابَ لمن خوطب بقوله تعالى : { واتقوا الله } [ المائدة ، الآية 108 ] الآية ، فتأمل ، كأنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عَقيبَ حكايةِ ما صدر عن الحواريين من المقالة المعدودة من نعم الله تعالى الفائضة على عيسى عليه السلام : اذكُر للناس وقت قولهم الخ ، وقيل : هو ظرف لقالوا ، أريد به التنبيهُ على أن ادعاءَهم الإيمانَ والإخلاصَ لم يكن عن تحقيقٍ وإيقان ، ولا يساعده النظم الكريم { يا عيسى ابن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً منَ السماء } اختلف في أنهم هل كانوا مؤمنين أو لا ؟ فقيل : كانوا كافرين شاكّين في قدرة الله تعالى على ما ذَكَروا ، وفي صدْقِ عيسى عليه السلام ، كاذبين في دعوى الإيمان والإخلاص ، وقيل : كانوا مؤمنين وسؤالُهم للاطمئنان والتثبّت لا لإزاحة الشك ، و( هل يستطيع ) سؤال عن الفعل دون القدرة عليه تعبيراً عنه بلازمه ، وقيل : الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة ، لا على ما تقتضيه القدرة ، وقيل : المعنى هل يستطيع ربك ؟ بمعنى هل يجيبك ؟ واستطاع بمعنى أطاع كاستجاب بمعنى أجاب ، وقرئ ( هل تستطيعُ ربَّك ) أي سؤال ربك ، والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف يصرِفك عنه ؟ وهي قراءة علي وعائشةَ وابن عباس ومعاذٍ رضي الله عنهم ، وسعيدِ بن جبير في آخرين ، والمائدة الخِوانُ الذي عليه الطعام ، من مادَه إذا أعطاه ورفدَه ، كأنها تَميدُ مَنْ تُقدَّم إليه ، ونظيرُه قولهم : شجرة مطعمة ، وقال أبو عبيد : هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية { قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال ناشئٍ مما قبله ، كأنه قيل : فماذا قال لهم عيسى عليه السلام حين قالوا ذلك ؟ فقيل : قال : { اتقوا الله } أي من أمثال هذا السؤال { إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ } أي بكمال قدرته تعالى وبصِحّة نبوتي أو إن صَدَقتم في ادّعاء الإيمانِ والإسلام فإن ذلك مما يوجب التقوى والاجتناب عن أمثال هذه الاقتراحات وقيل أمرهم بالتقوى ليصير ذلك ذريعةً لحُصول المسؤول ، كقوله تعالى :
{ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ الطلاق ، الآية2 ] وقولِه تعالى : { يَا أَيُّهَا الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة } [ المائدة ، الآية 35 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.