إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } ظرفٌ لتنبؤنَّ وقيلَ لخبير لما فيهِ من مَعْنَى الوعيدِ كأنَّه قيلَ والله مجازيكُم ومعاقبكُم يومَ يجمعُكُم أو مفعولٌ لأذكُرْ وقُرِئَ نَجْمعكُم بنونِ العظمةِ { لِيَوْمِ الجمع } ليومٍ يُجمعُ فيهِ الأولونَ والآخرونَ أي لأجلِ ما فيهِ من الحسابِ والجزاءِ { ذَلِكَ يَوْمُ التغابن } أي يومُ غَبْنِ بعضِ الناسِ بعضاً بنزولِ السعداءِ منازلَ الأشقياءِ لو كانوا سعداءَ وبالعكسِ وفي الحديثِ : «ما منْ عبدٍ يدخلُ الجنةَ إلا أُري مقعدَهُ من النارِ لو أساء ليزداد شُكراً وما من عبدٍ يدخلُ النارَ إلا أري مقعدَهُ من الجنةِ لو أحسنَ ليزدادَ حسرةً »{[784]} وتخصيصُ التغابنِ بذلكَ اليومِ للإيذانِ بأن التغابنَ في الحقيقةِ هو الذي يقعُ فيهِ لا ما يقعُ في أمورِ الدُّنيا .

{ وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَل صالحا } أي عملاً صالحاً { يَكْفُرْ } أي الله عَزَّ وجلَّ وقُرئَ بنونِ العظمةِ { عَنْهُ سيئاته } يومَ القيامةِ { وَيُدْخِلْهُ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً } وقُرِئَ نُدخله بالنونِ { ذلك } أي ما ذُكِرَ من تكفيرِ السيئاتِ وإدخالِ الجناتِ { الفوز العظيم } الذي لا فوزَ وراءَهُ لانطوائِهِ على النجاةِ من أعظمِ الهلكاتِ والظفرِ بأجلِّ الطلباتِ .


[784]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب(51)؛ والترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب (25)؛ وابن ماجة في كتاب الجهاد، باب (16)؛ وأحمد في المسند في (2/541)؛ (4/131، 200)؛ (6/89).