إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا} (45)

وقولُه تعالى : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها } على الوجه الأولِ تقريرٌ لما قبلَهُ من قوله تعالى : { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } [ سورة النازعات ، الآية 43 ] وتحقيقٌ لما هُو المرادُ منه وبيانٌ لوظيفتِه عليه الصلاةُ والسلامُ في ذلكَ الشأنِ فإنَّ إنكارَ كونهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في شيءٍ من ذِكراهَا مما يُوهمُ بظاهرِه أنْ ليسَ له عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنْ يذكرَها بوجهٍ من الوجوهِ فأُزيحَ ذلكَ ببيانِ أنَّ المنفَى عنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكرُهَا لهم بتعيينِ وقتِها حسبَما كانُوا يسألونَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهَا فالمَعْنى إنما أنتَ منذرُ من يخشاهَا ، وظيفتُكَ الامتثالُ بما أُمرتَ من بيانِ اقترابِها وتفصيلِ ما فيها من فنونِ الأهوالِ كما تحيطُ به خبراً ، لا تعيينِ وقتِها الذي لم يُفوضْ إليكَ فما لهم يسألونَكَ عمَّا ليسَ من وظائِفكَ بيانُه . وعلى الوجهِ الثانِي هو تقريرٌ لقولِه تعالى : { أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } ببيانِ أنَّ إرسالَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، وهو خاتمُ الأنبياءِ عليهم السلامُ منذرٌ بمجيءِ الساعةِ كما ينطقُ به قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : { بعثتُ أنَا والساعةَ كهاتينِ إنْ كادتْ لتسبقُني }{[819]} وقرئ منذرٌ بالتنوينِ وهو الأصلُ والإضافةُ تخفيفٌ صالحٌ للحالِ والاستقبالِ ، فإذا أُريدَ الماضِي تعينتِ الإضافةُ . وتخصيصُ الإنذارِ بمن يخشَى مع عمومِ الدعوةِ لأنَّه المنتفعُ بهِ .


[819]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب (39)، وكتاب الطلاق باب(29) وفي كتاب التفسير سورة (79) باب (1)؛ كما أخرجه مسلم في كتاب الجمعة حديث رقم (43) وفي كتاب الفتن حديث رقم (132، 135)، وابن ماجه في المقدمة باب (7) وفي كتاب الفتن. باب (25) والدارمي في كتاب الرقاق باب (46) كما أخرجه أحمد في المسند (4/309)، (5/92، 103، 108).