إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

{ إِنَّمَا المؤمنون } جملةٌ مستأنفةٌ مَسوقةٌ لبيان مَنْ أريد بالمؤمنين بذكر أوصافِهم الجليلةِ المستتبِعةِ لما ذكر من الخصال الثلاثِ ، وفيه مزيدُ ترغيبٍ لهم في الامتثال بالأوامر المذكورةِ أي إنما الكاملون في الإيمان المخلِصون فيه { الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي فِزعت لمجرد ذكرِه من غير أن يُذكرَ هناك ما يوجب الفزَعَ من صفاته وأفعالِه واستعظاماً لشأنه الجليلِ وتهيباً منه وقيل : هو الرجلُ يُهمّ بمعصية فيقال له : اتقِ الله فينزِعُ عنها خوفاً من عقابه ، وقرئ وجَلت بفتح الجيم وهي لغة وقرئ فرِقَتْ أي خافت { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } أيَّ آيةٍ كانت { زَادَتْهُمْ إيمانا } أي يقيناً وطُمأنينة نفسٍ فإن تظاهُرَ الأدلةِ وتعاضُدَ الحُججِ والبراهينِ موجبٌ لزيادة الاطمئنانِ وقوة اليقين ، وقيل : إن نفسَ الإيمانِ لا يقبل الزيادةَ والنقصانَ وإنما زيادتُه باعتبار زيادةِ المؤمَنِ به فإنه كلما نزلت صدّق بها المؤمنُ فزاد إيمانُه عداً ، وأما نفسُ الإيمان فهو بحاله وقيل : باعتبار أن الأعمالَ تُجعل من الإيمان فيزيد بزيادتها ، والأصوبُ أن نفسَ التصديقِ يقبل القوةَ وهي التي عبر عنها بالزيادة للفرق النيّر بين يقينِ الأنبياءِ وأربابِ المكاشفات ويقينِ آحادِ الأمةِ ، وعليه مبنى ما قال علي رضي الله عنه : لو كُشف الغِطاءُ ما ازددتُ يقيناً ، وكذا بين ما قام عليه دليلٌ واحد وما قامت عليه أدلةٌ كثيرة { وعلى رَبّهِمْ } مالكِهم ومدبرِ أمورِهم خاصة { يَتَوَكَّلُونَ } يفوّضون أمورَهم لا إلى أحد سواه والجملةُ معطوفةٌ على الصلة .