إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ} (58)

وقوله تعالى : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً } بيانٌ لأحكام المشرِفين إلى نقض العهدِ إثرَ بيانِ أحكامِ الناقضين له بالفعل ، والخوفُ مستعارٌ للعلم أي وإما تعلَمنَّ من قوم من المعاهِدين نقضَ عهدٍ فيما سيأتي بما لاح لك منهم من دلائلِ الغدرِ ومخايلِ الشر { فانبذ إِلَيْهِمْ } أي فاطرَح إليهم عهدَهم { على سَوَاء } على طريق مستوٍ قَصْدٍ بأن تُظهر لهم النقصَ وتُخبِرَهم إخباراً مكشوفاً بأنك قد قطعتَ ما بينك وبينهم من الوصلة ولا تناجِزْهم الحربَ وهم على توهم بقاءِ العهدِ كيلا يكونَ من قِبَلك شائبةُ خيانةٍ أصلا فالجارُّ متعلقٌ بمحذوف هو حالٌ من النابذ أي فانِبذْ إليهم ثابتاً على سواءٍ وقيل : على استواءٍ في العلم بنقض العهدِ بحيث يستوي فيه أقصاهم وأدناهم ، أو تستوي فيه أنت وهم فهو على الأول حالٌ من المنبوذ إليهم وعلى الثاني من الجانبين { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين } تعليلٌ للأمر بالنبذ إما باعتبار استلزامِه للنهي عن المناجزة التي هي خيانةٌ فيكونُ تحذيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها وإما باعتبار استتباعِه للقتال بالآخرة فيكونُ حثاً له عليه الصلاة والسلام على النبذ أولاً وعلى قتالهم ثانياً ، كأنه قيل : وإما تعلَمنَّ من قوم خيانةً فانبذْ إليهم ثم قاتِلْهم إن الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت من حالهم .