الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (194)

{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } نزلت في عمرة القضاء وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكّة عام الحديبية على أن ينصرف عامَه ذلك ويرجع العام القابل على أن يخلوا له مكّة ثلاثة أيام فيدخلها هو وأصحابه ويعمرون ويطوفون بالبيت ويفعلون ما أحبوا ، على أن لا يدخلوها إلاّ بسلاح الراكب في عمرة ولا يخرجوا بأحد معهم من أهل مكّة ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام ورجع العام القابل في ذي القعدة ودخلوا مكّة واعتمروا وطافوا ونحروا وقاموا ثلاثة أيام فأنزل الله { الشَّهْرُ الْحَرَامُ } ذو القعدة الذي دخلتم فيه مكّة واعتمرتم وقضيتم مناسككم وطوافكم في سنة سبع { بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت ومنعتم من مرادكم في سنة ست .

والشهر مرفوع بالابتداء وخبره في قوله { بالشَّهْر الحرام } . { وَالْحُرُمَاتُ } جمع الحرمة كالظلمات جمع الظلمة والحجرات جمع الحجرة ؛ والحرمة ما يجب حفظه وترك إنتهاكه . وإنّما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام { قِصَاصٌ } والقصاص المساواة والمماثلة : وهو أن يفعل بالفاعل كما فعل { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ } قاتلوه { بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فسمي الجزاء باسم الابتداء على مقابلة الشرط { وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ *